إن المتابع للشأن العام ولما يحدث خصوصا في المشهد السياسي ببلادنا له أن يتساءل في ظل ما يراه من احتقان بلغ ذروته حد الهمجية واعتداءات سافرة على المواطنين لا تجد لها رادعا! والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تفرّط الدولة في مقومات سيادتها ليتجرّأ عليها المتطاولون على القانون بشتى أصنافهم من مجرمين ومهربين ومحتكرين ومزوّرين. ولسائل أن يتساءل أيضا عن مفهوم الديمقراطية، والبلاد تعيش حالة من الفوضى العارمة وإخلالات بالجملة على جميع الأصعدة وتعصّب إيديولوجي عند البعض وصل حد التزمّت والتعنيف اللفظي والمادي والتعدي الجسدي. إن ما حدث في و لاية سيدي بوزيد من اعتداءات على مناضلي الحزب الدستوري الحر ومن هرسلة وتهديدات لرئيسته عبير موسي ليضفي صورة قاتمة على المشهد السياسي بالبلاد وينذر بالخطر الداهم ولا يدعو للطمأنينة البتة حول الظروف التي ستسير على وقعها الحملات الانتخابية وهي موشكة على الأبواب. كذلك ما وقع من تهجّم واقتحام للبرلمان وتعدّ على سير الجلسات يترجم مدى الفوضى المتفشية في المجتمع التي لم تستثن النخب ولا المثقفين. فإلى أين تسير البلاد؟ وأين هي علوية القانون في دولة القانون والمؤسسات التي من المفروض أن تضمن التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع وتضمن حقوق الجميع، كما تُخضع الجميع على حد السواء ودون استثناء لسلطة القضاء العادل. وهنا لا يفوقتنا التطرق إلى دور الإعلام الذي من شأنه أن يرقى بمستوى البرامج السياسية والحوارات، بعيدا عن مستنقعات السباب والشتائم وهتك الأعراض وتأليب شق على شق آخر ما من شأنه إسعار نار الحقد والكراهية في المجتمع. فالاختلاف في الرأي حق يكفله الدستور لكل مواطن، لكن طرق التعبير يضبطها القانون الأخلاقي الذي لا يجب الحياد عنه في المواقع الإعلامية مرئية كانت أم مسموعة أم مكتوبة. أخاطب السياسيين بالقول: «تنافسوا على البرامج، والفوز سيكون للأنجع والأقدر على الإقناع بصدقه وجديته. وتسامَوْا فالسياسة التزام بالمبادئ والقيم ونضالات شريفة، ولا تنساقوا للأساليب البغيضة التي يستهجنها كل صاحب ضمير». وأخاطب الإعلاميين بالقول: «اتقوا الله في هذا الوطن! واجتنبوا إشعال نيران الفتنة في برامجكم السياسية وذلك بالتقيّد بأخلاقيات المهنة وإحكام إدارة الحوار، بعيدا عن التجييش والتحريش والتعريض بالأشخاص. نريد وطنا موحدا لا شقاق فيه، لا بغضاء ولا أحقاد ولا فتن، وتبقى حرية التنوع والاختلاف مضمونة لكافة الأفراد. مجتمع على شكل لوحة فسيفسائية جميلة الشكل والألوان، يجمعنا حب الوطن ونستلهم الدروس والعبر مما حدث ويحدث لمن فرطوا في وحدة أوطانهم، فندموا ولم ينفعهم الندم! إلا أننا رغم كل ما تمر به بلادنا من ظروف عسيرة ورغم كل الأزمات المتعاقبة والشد والجذب ما فقدنا الأمل يوما ولا الثقة في أبناء منظومتنا القضائية النزهاء وأبناء منظومتنا الأمنية الشرفاء الذين أقسموا على الإخلاص لتونس والتضحية لأجلها بالغالي والنفيس فهم الركيزة الأساسية لاستتباب الأمن واستقراره وليس بوسعنا سوى أن نشد على أيديهم ونناشدهم في الآن ذاته بمزيد من الردع والحزم والضرب على أيدي المجرمين والمستهترين بالقوانين.. فلا أمن ولا أمان إلا بعلو سلطة القانون وضمان عدل القضاء تلك هي أهم ركائز الدولة التي لا غنى عنها أبدا.