هل أصبح العنف جزءا من اللعبة السياسيّة في تونس؟ وإن كان كذلك إلى أين سيقود هذا العنف الساسة والشعب والدولة؟ هل سيقودنا إلى البناء الديمقراطي، كما حلمنا بذلك جميعا قبل 14 جانفي 2011، أم سيقودنا بإرادتنا إلى البناء الاستبدادي والدفع نحو فتح الطريق لدكتاتور بديل عن بن علي؟ أم أنّ بين الخيارين فرصة ثالثة للفوضى والتقاتل فيما بيننا دفاعا عن قضيّة واحدة مشتركة لا جدال حولها بين التونسيين منذ سنوات؟
هل أصبحت بلادنا مهددة سوسيولوجيّا بالانقسام والحرب الأهليّة على اعتبار ما يحصل من اعتداءات باسم الاختلاف؟ وأيّ دور للعمل السياسي في الدفع نحو هذا الاتجاه أو الدفع في اتجاه التهدئة؟ أسئلة طرحناها دفعة واحدة على الباحث المختص في علم الاجتماع السياسي السيد طارق بلحاج فأجابنا «في المجتمعات الديمقراطيّة يتحدّث الناس عن الاختلاف السياسي في البرامج والرؤى والتصورات وحتّى الصراع السياسي فيه حدود وفيه قانون لا يجعل الصراع يمسّ من الشعب والدولة لكنّنا في تونس نعيش حقيقة صراع سياسي بدائي يقوم على فرضيتي الحياة أو الموت ومبدإ كسر العظم ومن يصرخ أوّلا».
فضيحة أخلاقيّة
ذكر طارق بلحاج أنّ «ما يجدّ من أحداث عنف وانفلات أمني رافق بداية هذا الأسبوع يرتقي إلى مستوى الفضيحة الأخلاقيّة للطبقة السياسيّة. موضحا أن ما تعيش على وقعه تونس هو حالة شديدة من الاحتقان تجاوزت المستوى السياسي لتستنجد بالمجتمع وشرائح من المجتمع أولا لتغليب وجهة نظرها وثانيا من أجل مصلحة سياسيّة هي الحصول على السلطة. وأضاف أنّ هذه الميزة ليست ميزة طرف سياسي واحد ولا ميزة من هم في الحكومة وحدهم أو من هم في المعارضة بل هي ميزة من ميزات العمل السياسي ظهرت في تونس ما قبل الانتخابات من أجل كسب الأصوات وهاهي تطلّ اليوم برأسها من أجل أخذ الدولة والشعب رهينة.
وانتقد الباحث في علم الاجتماع السلطة والمعارضة قائلا «الصراع السياسي الحالي في تونس لا ينظمه قانون يحدد اللعبة لذلك تظل كل الطرق ممكنة مثل التشهير والعنف والتشويه فأصبحت المعارضة أشخاص ينتظرون دورهم في الحكم ولا يهمهم مستقبل الوطن ولا ثوابته بقدر ما يهمهم إحراج من يحكم الآن أيّ كان الثمن وأصبح من هم في الحكم يتشبّثون بالحكم بأيّ ثمن كان وبالشرعيّة الانتخابيّة أخذوا البلاد رهينة بين أياديهم».
وابرز أنّ الجميع كان بالأمس القريب تحت سقف الوطن واليوم أصبح الوطن وهويّته ومستقبله مسائل تُطرح للنقاش رغم أنّها من المسلّمات وبالتالي نحن نسير فعلا في اتجاه زعزعة السلم الاجتماعي فالإشكال ليس في لوحة تعرض أو في فيلم أو صورة الإشكال هو أنّ كل مجموعة متحرّكة في تونس ورائها طرف سياسي لذلك أصبح الصراع السياسي في تونس يفتقد إلى روح المسؤوليّة والاخلاق فالعمل السياسي أخلاقي ويقوم على مبادئ أولها الاخلاق وثانيها المبادئ السياسيّة وثالثها المصالح وما يحدث اليوم من عنف وتخريب لا يمثل في شيء تلك المبادئ الأساسية للعمل السياسي.
حلول
كما قال طارق بلحاج «تعيش تونس اليوم لحظة تاريخيّة فاصلة تفوق في خطورتها ما حصل بين البورقيبيّة واليوسفيّة (نتعاركوا إلى الجحيم المهم نوصل). وأكّد الباحث في علم الاجتماع أنّ ما يحدث اليوم فضيحة أخلاقيّة بالنسبة للطبقة السياسيّة لأنّ رهان هؤلاء اللاعبين السياسيّين قد يكون مصير وطن لطالما كان مثالا للتنوير والريادة ولطالما كان رسالة لكل العالم فتونس أعطت إفريقيا اسمها وكانت أوّل من حرّر العبيد».