التسامح من المعاني العظيمة التي جاء بها الإسلام وهو أساس الوسيطة والتيسير والعدل والعفو والصفح، قال تعالى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} (النور 22) وأساس السماحة والسّلام التي أمر بها هذا الدين الحنيف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أحبّ الدّين إلى الله الحنفية السمحة السهلة. (رواه البخاري ومسلم) ولقد بنى الإسلام علاقة المسلمين بعضهم ببعض على المحبة والأخوة، قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات 10) وبنى علاقة المسلمين مع غيرهم من الأجناس والأمصار على التعارف والتعاون. فقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13) كما قضى الإسلام على مظاهر التفرقة والتمييز والطبقية وسوّى بين الأفراد في الحقوق والواجبات، وجعل علاقة المسلمين مع غيرهم قائمة على المسالمة والأمن، ودعا الإسلام إلى المساواة والعدالة الاجتماعية، قال صلى الله عليه وسلّم: لا فضل لعربيّ على أعجميّ ولا لأعجميّ على عربيّ ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى. (رواه مسلم). إن للتسامح قيمة كبرى في الإسلام لأنه يتجه برسالته إلى البشرية كلها، فأمرنا بالعدل ونهانا عن الظلم ودعا إلى التعايش الإيجابي مع الآخرين دون تفرقة في الجنس أو الدين فحثنا على الاعتقاد بجميع الديانات حيث قال تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة 285) كما أمرنا بالدعوة باللين ونبذ العنف كما تبيّنه الآية الكريمة {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125) ولقد تعامل المسلمون مع أهل البلاد المفتوحة والأسرى بسماحة بمنع قتل من لا يقاتل من النّساء والأطفال والشيوخ والعجزة، فعن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: انطلقوا بسم الله وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة. (رواه أبو داود) وتحريم تشويه القتيل بقطع أيّ عضو من أعضائه. كما نهى الإسلام عن إساءة معاملة الأسرى والإضرار بهم بل جعل إطعامهم من صفة الأبرار المقربين إلى الله، فقال تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} (الإنسان 8 و9) ورسَّخ الإسلام تحت عنوان التسامح أشياءَ كثيرة، فغرس في قلوب المسلمين أنَّ الديانات السماويّة تستقي من مَعينٍ واحد، قال تعالى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى 13) وأنَّ الأنبياء إخوة لا تفاضلَ بينهم مِنْ حيث الرسالة، ومن حيث الإيمان بهم، قال تعالى {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} (آل عمران 84) كما رسَّخ الإسلام تحت مبدأ التسامح أنْ لا إكراه في الدّين، فالعقيدة ينبغي أنْ يستقبلها القلب والعقل بشكلٍ واضح، قال تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة 256) وأنَّ أمكنة العبادات على اختلافها محترمةٌ في نظر المسلمين، فقال الله تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحجّ 40) . ونبّه الإسلام المسلمين أنّهم ينبغي عليهم أنْ ينظروا إلى غيرهم على أنَّهم بشر، يجادلونهم بالتي هي أحسن، فقال تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (العنكبوت 46) وأمرهم بالبِر بأهل الكتاب وحُسْنَ الضيافة لهم، ومن عظمة الدين الإسلامي أنّه رسَّخ في قلوب المسلمين أنْ لا عداوة بين المسلمين وبين غيرهم، لمجرَّد كونِهم غير مسلمين، وتركَ الأمر ليوم القيامة، إلاّ إذا اعتدى هؤلاء على المسلمين، أو وقفوا في طريق دعوة المسلمين حجرَ عثرة، قال تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (البقرة 113). إن عالمنا اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد تفشي التطرف والإرهاب الذي ربطه العالم كله بالإسلام دين التسامح والتحابب والعدل.