مازال الرأي العام التونسي تحت وقع صدمة تعمّد مدرس اغتصاب 20 تلميذا في صفاقس منذ أيام حتى تنضاف لهذه الفاجعة قضية جديدة تتعلق باتهام أستاذ في احدى اعداديات صفاقس باغتصاب 10تلاميذ. تونس (الشروق): استياء واسع في صفوف التونسيين وغضب كبير بسبب تكرر هذه الحوادث في فترة زمنية قصيرة اذ شهدت ما يسمى ب"المدرسة القرآنية" في الرقاب حالات اغتصاب طالت عددا من التلاميذ لكن الملفت ان "معسكر الرقاب" كان خارج سيطرة الدولة وهو ما يفسر حوادث فظيعة مماثلة لكن من غير المنطقي ان تسجل هذه الاعتداءات في مؤسسات الدولة ومن غير المفهوم ان يقدم عليها اشخاص كان من المفروض ان يوفّروا للتلاميذ الحماية وفي فضاءات تعدّ مقدسة ولا تمثل أي تهديد للتلميذ بل مصدرا للثقة والأمان فما الذي قلب موازين القيم في مجتمعنا رأسا على عقب وما هي أسباب ارتفاع مثل هذه الحوادث اللاإنسانية في المؤسسات التربوية؟ ردع تعيش تونس وضعا صعبا على كل المستويات وهو ما يدعو الأطراف الحاكمة الى إثبات جدارتها في تولي هذه المسؤولية او التنحي عن الحكم وفق عديد الملاحظين خاصة وان الاعتداءات الجنسية التي تستهدف الأطفال أصبحت بالجملة. وتؤكد ارقام وحدة الطب الشرعي في مستشفى شارل نيكول تكرر هذه الحوادث التي تقدّر بنحو 800 حالة اغتصاب في تونس سنويا وأشارت أن 70بالمائة من ضحايا العنف الجنسي هم أطفال قاصرون وأغلبهم إناث. ويشار ان أرقاما مفزعة تؤكد ارتفاع العنف المادي والجنسي ضد الأطفال وهو ما يتطلب تدخلا عاجلا من السلطة الحاكمة لوضع برنامج شامل من حيث الإطار القانوني والاجتماعي والتربوي حول وضع الاسر والمدارس ذلك ان التأسيس لمجتمع سليم يقتضي المحافظة على الأطفال وحمايتهم من مثل هذه الحوادث التي تترك جرحا عميقا في نفسياتهم واجسادهم لا تقدر الأيام على علاجه بيسر. ويشار الى ان عدد حالات الاغتصاب التي سجلت في الوسط المدرسي متعددة منها ما أقدم عليها بعض الإطارات التربوية أو التي تم تسجيلها من قبل بعض التلاميذ فيما بينهم كما هناك حالات أخرى أقدم عليها حراس مدارس او غرباء تسللوا للفضاء المدرسي. وامام ما تشهده بلادنا من تعدّد هذه الجرائم بما في ذلك الاعتداءات المريبة التي تطال الأطفال من الوسط العائلي وأحيانا من أقرب الناس إليهم دعت عديد المنظمات والجمعيات المهتمة بالطفل إلى ضرورة إدراج التربية الجنسية في المدارس وحتى إدراجها في المناهج التعليمية لتوعية الأطفال وحمايتهم من خطر الاعتداءات الجنسية. أسباب وفي خصوص انتشار هذه الظاهرة فان الأسباب تقف وراء التحرش بالأطفال والاعتداء عليهم جنسيا عديدة منها غياب الوازع الأخلاقي ونقص التوعية الجنسية سواء للأطفال أو الراشدين ذلك ان مواضيع الجنس ما تزال من المواضيع الممنوعة. وبالنسبة الى القانون التونسي فان جريمة الاعتداء بفعل الفاحشة على طفل من قبل من له سلطة عليه في استغلال نفوذ تكون العقوبة 12 سنة سجنا، وإذا ثبت وجود اغتصاب جنسي لأطفال فإن العقوبة المقررة هي عشرون سنة سجنا، ويشار أنه حسب تنقيح 2017 تم إلغاء حكم الإعدام في جرائم الاغتصاب وينص الفصل 227 من المجلة الجزائية على عقوبة سجنية بقية العمر. ورغم حزمة القوانين التي سنتها تونس والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها فان ارتفاع ظاهرة استغلال الأطفال في داخل المحيط الأسري أو المدرسي اصبحت في حاجة الى العلاج. ويرى الناشطون في المجتمع المدني ان القوانين التي سنتها تونس رائدة في مجال حماية الطفولة من الاغتصاب لكن الاشكال يكمن في تفعيل تلك القوانين نظراً إلى غياب الإرادة لدعم مجهود المجتمع المدني بالإضافة إلى غياب التمويل اللازم الأمر الذي أدّى إلى تفاقم كل أشكال العنف من ذلك الاغتصاب. الأكثر تهديدا وفي تصريح اعلامي للمندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي يوم الجمعة 3 ماي 2019 ذكر ان المنزل يعدّ أكثر الأماكن التي يتعرض فيها الطفل للتهديد بنسبة 59 بالمائة من جملة الإشعارات الواردة على مندوبي حماية الطفولة يليه الشارع في المرتبة الثانية من حيث الأماكن المهددة للطفل ب 17 بالمائة ثم المؤسسات التربوية ب 13 بالمائة وقد كان الأبوان أو أحدهما المصدر الأساسي للتهديد بنسبة 68 بالمائة من خلال 8141 اشعارا. وأضاف مهيار حمادي خلال الندوة الصحفية التي خصصت لعرض نتائج النشرية الاحصائية لمندوبي حماية الطفولة خلال سنة 2018 أن مندوبي حماية الطفولة تلقوا 17449 اشعارا خلال سنة 2018 بخصوص أطفال في وضعية تهديد وقد شملت هذه الاشعارات 580 طفلا ورد بشأنهم أكثر من إشعار. ولفت الى أن وضعيات التقصير في التربية احتلت المرتبة الاولى ب 3655 اشعارا واعتداء وسوء المعاملة ب 2867 اشعارا وقد بلغت حالات الاستغلال الجنسي 1027 اشعارا. وافاد أن نسبة الاشعارات من قبل الفتيات بلغت 48 بالمائة من مجموع الإشعارات الواردة على مندوبي حماية الطفولة خلال 2018 وذلك ب 8388 اشعارا مقابل 52 بالمائة اشعارا يخص الذكور من خلال 9063 اشعارا. ووردت النسبة الكبرى من الإشعارات لسنة 2018للاطفال في مرحلة الطفولة المبكرة من 0 الى 5 سنوات بنسبة 26 بالمائة يليها الأطفال في سن التمدرس من 9 الى12 سنة بنسبة 25 بالمائة ثم الأطفال في سن المراهقة من 13الى 15 سنة بنسبة 21 بالمائة وأشار مندوب عام حماية الطفولة الى أن 57 بالمائة من الاشعارات التي تلقاها مندوبو حماية الطفولة خلال 2018 كانت من قبل الأبوين (35 بالمائة من الأم و22 بالمائة من الأب) مقابل 35 بالمائة من مجموع الإشعارات من مؤسسات الدولة. رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ ل«الشروق» مسؤولية حماية الأطفال مشتركة بين الولي والسلطة يجب علينا اليوم الإقرار من خلال الإعلان عن تواتر حالات الاعتداءات الجنسية يوما بعد يوم من طرف بعض المربين والتي تطال تلاميذنا وتلميذاتنا بأنّ هذه الوضعية أصبحت تكتسي درجة غير مسبوقة من الخطورة. وهي تتطلب من كلّ الأطراف المعنية السلطة والإطارات التربوية والأولياء والتلاميذ والمختصين التّعامل معها بما تستحق من جدية وحرفية وصرامة. ومن الضروري أن نضع اليوم الأصبع على الجرح من خلال التواصل مع ضحايا هذه الآفة، أبنائنا وبناتنا العزل والقصر، ومع المربين أيضا من طرف الأخصائيين الاجتماعيين وعلماء النفس أولا لتعهد هؤلاء الضحايا من النواحي النفسية والمعنوية والبدنية والمادية ثم بهدف الاقتراب أكثر من هذا الدّاء للوقوف على أسبابه وتحديد الحلول للوقاية منه. فحالات الاعتداءات الجنسية على الأطفال بمختلف مظاهرها سواء بالمدارس الابتدائية أو الثّانوية وحتى في الجامعة لا يمكن اليوم غضّ النّظر عنها أو مواصلة اعتبارها معزولة. فهي تخضع من وجهة نظري لطبيعة نفسية مَرَضِيّة متواجدة بكلّ المجتمعات وعند العديد من الأشخاص من خلال إعطاء نسبة من الحرية لغرائزهم الجنسية من جهة، ولفقدان الثوابت التي تمثلها قدسيّة مهنة المربي عندما يتعلق الأمر برجل تعليم من جهة ثانية. وتتحمل العائلة التونسية جزءا كبيرا من المسؤولية من خلال عدم متابعتها لسلوك أبنائها وعدم الإصغاء إلى ما هو غير عادي في تصرفاتهم وعدم التحاور معهم وعدم تعويدهم على التواصل والإفصاح بكلّ ما يخالجهم وعدم التساؤل عن أسباب اللّطف والتّودد تجاه الأطفال عندما تكون مثل هذه السلوكيات غير مبررة أو مبالغ فيها ومهما كان مصدرها. كما يجب علينا الوعي بانّ مثل هذه الاعتداءات عادة ما تنطلق من سلوكيات لطيفة تبدو في ظاهرها عادية ومن نظرات أو إيحاءات عبر الكلام أو تلميحات جنسية، وينتقل الأمر بعد ذلك إلى تحرشات مباشرة باللّمس لتصل إلى الاغتصاب.. وعلينا جميعا التعود مستقبلا على عدم السكوت والحديث عن هذه الحالات وإعلام الرأي العام بها والتفكير في اعتماد إجراء اختبارات نفسية للمربين عند انتدابهم للوقوف على مؤهلاتهم النفسية المتصلة بقدرتهم على التدريس. فمثل هذه الاعتداءات الجنسية هي أعمال إجرامية بامتياز من شانها ان تخلف آثارا وانعكاسات نفسية وصحيّة مختلفة الخطورة على الطفل المغتصَب وذلك طيلة حياته، وسيمكن الحرص على تعهدها وعلاجها من طرف المختصين من التقليص من حدتها. وهو ما يتطلب من السّلطات المعنية تحمل مسؤولياتها الكاملة لمتابعة الجناة من النّواحي القضائية والجزائية وتسليط اشد العقوبات عليهم وضمان ما تتطلبه الوضعيّة من رعاية مستوجبة في حقّ المتضررين وفي حقّ أسرهم. ثم وضع استراتيجية فعلية في مستوى برامج التربية والتعليم والتكوين وفي مستوى المضامين الثقافية ووسائط التوعية الموجهة لكلّ الأطراف المعنيّة خاصة المربين والأولياء والتلاميذ للوقاية من هذه الآفة التي ستُعفّن مجتمعنا في صورة عدم الوقوف أمامها بمسؤولية وبجدية وبحرفية وبصرامة. ويجب علينا نحن الأولياء أن نتحمل واجباتنا فيما يتعلق بتكوين شخصية أطفالنا وشبابنا وفي الدفاع عن حقوقهم في السّلامة البدنية والمعنوية وفي الحماية والوقاية من كلّ ما هو يمكن أن يُصيبهم من مكروه من خلال الإنصات إليهم ومتابعة سلوكهم وحالاتهم النفسية وتربيتهم على الحوار والثقة والتواصل والصراحة داخل الأسرة وتربيتهم على كيفية المحافظة على أنفسهم ضد أي سلوك له علاقة بالجسد.