لم يكن بنو العباس على رأي واحد ، اذ كان كل امير يخشى اخاه او ابن عمه ، وكذلك كان شأن ابي جعفر المنصور الذي كان يسعى لمنصب الخلافة واضطر بعد انتصار ابي مسلم الخرساني لاخيه ابي العباس لان يهادن ويظهر الاستسلام والاخلاص للخليفة الى حين . خاصة انه يعلم مرضه العضال ويوقن انه لن ينتظر طويلا حتى يؤول الامر اليه ،وكان له ما خطط له فحين احس ابو العباس بقرب اجله بعد اربع سنوات من خلافته عهد الامر الى اخيه ابي جعفر ومن بعده عيسى بن موسى . استخلف ابو جعفر، ولكن عمه عبدالله بن علي اعلن العصيان مدعيا بانه الاحق والاجدر وكان واليا على الشام وله جيش قوي ومدد . غير ان ابا جعفر اغرى مرة اخرى ابا مسلم الخرساني به ووعده بمناصب واموال فانصرف ابو مسلم لقتال عبد الله بن علي وانتصر عليه وبدد جنده ثم دبر قتله في حادثة اغتيال اخرى . وبعد ان استتب الامر للمنصور بدا يدبر الدسائس للغدر بابي مسلم بعد انتهاء حاجته اليه واعمل الحيلة في اظهار المودة له حتى لا يتهم به ثم اوعز الى بعض اعوانه فاغتالوه غدرا وانهى بذلك اخر القادة الذين كان لهم الدور المحوري في نصرة بني العباس وايصالهم الى سدة الحكم . وبعد ان استتب الامر للمنصور امسك بزمام الحكم بقوة وبطش بكل من تسول له نفسه الخروج عن رايه وسلطانه بل بلغ الامر الى قتل الناس على مجرد الظن والشبهة وخاف الناس في عصره على انفسهم ولم يجرؤ منهم احد على مجرد التفكير في العصيان . بعد وفاة ابي جعفر المنصور ، تولى الخلافة من بعده ابنه المهدي وشعر الناس ببعض الطمأنينة وتأملوا في تغير الاوضاع لما عرف عن المهدي من وداعة وسهولة طبع وقد كان الخليفة عند حسن ظنهم فبادر فور توليه الحكم الى اطلاق السجناء جميعا وافرج عن خصومه العلويين وبذل لهم العطاء ، واعاد الى اهل مكة والمدينة كل امتياز سلبه المنصور من قبل ، وزاد فاجزل العطاء لرؤوس القوم من العلماء والوجهاء ، وكان المنصور قد صادر ممتلكات كثيرة دون حق ، وحفظ عقودها في خزانته حاملة اسماء اربابها فلما فتح المهدي هذه الخزائن رأى ان يرد المصادرات جميعا الى اصحابها ، وان يبعث اليهم ليسترضيهم ، وكان يحس ظلما وقع على وزراء كبار اغتيلوا في عهد ابيه وصودرت اموالهم ، وعز على بنيهم القوت فامر بان يرجع الى كل بيت ما كان له من المال والعقار ، وان تجرى عليهم النفقات الموسمية . وتحدث اغلب المؤرخين على ما قام به المهدي فاطنبوا في تعداد نفقاته على الفقراء والمعوزين واعادة بناء الحرم وبناء المدارس والمساجد وتشييد الاستراحات على طرق مكة وبغداد لتكون مقصدا للمسافرين وقد ترك ذلك الاثر الطيب في نفوس الناس وشعروا بالامان . يتبع