التسامح والعفو خلق عظيم، وهو أفضل بالتأكيد من الأخذ بالحق والانتصار للنفس، لقول الله تعالى «َ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ ،سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»الشُّورى:40 ، قال ابن كثير: «فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو.. ولهذا قال هاهنا»فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ». فالعفو والتسامح هو الأفضل والأَوْلى دائماً إلا إذا ترتب عليه ما ليس محموداً فيكون عدمه أولى، إذا قيل حلم قل فللحلم موضع ** وحلم الفتى في غير موضعه جهل. ونبينا صلى الله عليه وسلم مع عظيم عفوه وجميل تسامحه كان يغضب للحق إذا انتُهِكَت حرماته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نِيل منه شيء قطُّ، فينتقم مِن صاحبه، إلا أن يُنْتَهك شيء مِن محارم الله، فينتقم لله عزَّ وجلَّ» رواه مسلم. وفي هذا الحديث الحثُّ على العفو والحِلْم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى مِمَّن فعل محرَّماً أو نحوه، وفيه أنَّه يُسْتحبُّ للأئمَّة والقُضَاة وسائر وُلاة الأمور التَّخلُّق بهذا الخُلُق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله تعالى». وقد قال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ»الحجر:85 «هو الصفح الذي لا أذية فيه بل يقابل إساءة المسيء بالإحسان، وذنبه بالغفران، لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب، فإنّ كل ما هو آت فهو قريب، وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا، وهو: أن المأمور به هو الصفح الجميل، أي: الحَسن الذي قد سلم من الحقد والأذية القولية والفعلية، دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة، كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة، وهذا هو المعنى». والتسامحُ خلق نبوي كريم، وهو دُرَّة السَّجايا والأخلاق، ويزيد صاحبه عزاً كما قال صلى الله عليه وسلم: «وما زاد الله عبداً بعفو إلاّ عزاً» رواه مسلم. وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الأول على حُسن ومكارم الأخلاق، والتي منها التسامح والعفو، والحلم والصبر، وترك الغضب والانتصار للنفس، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عُقبة! صِلْ مَن قطعك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَك» رواه أحمد . وقد كان التسامح والعفو النبوي مع استطاعته صلى الله عليه وسلم البطش والانتقام ممن أساء إليه، لكنه كان كما قال الله تعالى له»فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ»المائدة:13 يعفو ويصفح قادراً عمَّن جَنى ** عملاً بقول الله فاعف واصفح يتبع