منذ أسابيع صار العثور على الذهب ملقى على قارعة الطريق أيسر بكثير من العثور على الزيت المدعم في الاسواق التونسية .. وتواصلت تلك الندرة في مادة غذائية اساسية جدا لا غنى عنها في اليومين الاولين لشهر الصيام الذي من المفروض ان الحكومة تسعى فيه ليس الى توفير المواد المفقودة او مكافحة غلاء الاسعار بل انها مطالبة فيه بمتابعة عمليات التزويد العادية للسوق في كنف الشفافية والوضوح وبطريقة تضمن حقوق الجميع لأن الحكومة كما تبين ذلك بلاغاتها من مختلف الوزارات المعنية ب"شؤون البطن" وفرت كميات من المواد الغذائية الضرورية في هذا الشهر المعظم بحجم يكفي سكان الصين والهند مجتمعين وليس بضعة ملايين من التونسيين ليتبين ان كل ذلك لا يعدو أن يكون مجرد دعاية فجة لا يستعملها الا من أصيب عقله الاتصالي بعطب كبير لأنه حين تقول الحكومة إنها وفرت كل شيء فإن الاسواق ستكذبها وسينقم عليها المواطن اكثر فأكثر الا انها تواصل الكذب مدعية ان اجهزة الرقابة ضربت في شمال البلاد وجنوبها وانها حجزت كميات هامة من مواد غذائية سعى البعض الى احتكارها للتلاعب بأسعارها ليفتقد المواطن الزيت المدعم. وسيفتقد حين يقترب موعد إعداد حلويات العيد البيض. أما الطماطم فلم ترضخ لأوامر الحكومة الصارمة بالتخفيض في الاسعار. وقد يلحق بها الفلفل ليحرما المواطن من "السلاطة" رغم ان عيشه "سلاطة" بفضل سلطة لا تحسن حتى فنون الدعاية. كما أنه من الغرابة بمكان ان الحكومة بوزارة تجارتها ووزارة فلاحتها وأجهزتها الرقابية لم تتمكن يوما ما من كشف مخازن محتكري الزيت المدعم. إذ لا شيء يفسر ندرة هذه المادة الا الاحتكار لان غرفة معلبي الزيوت النباتية عبرت عن انشغالها قبل أسابيع من حلول رمضان في وقت كانت فيه الحكومة تستعد لرمضان من تكرّر تسجيل النقص الفادح في تزويد السوق من مادة الزيت المدعم لتجيبها وزارة التجارة عبر عدد من إداراتها الجهوية انه تم تزويد وحدات التعليب بالكميات اللازمة. فمن نصدق غرفة معلبي الزيت "السائب" أم الحكومة التي "سيبت" الماء على البطيخ حتى صارت بطون التونسيين ومعاشهم وجيوبهم تحت رحمة فئة ضالة من المحتكرين؟ ولماذا لا يتم تنظيم يوم وطني للتحاور حول الزيت المدعم رغم انه من المؤكد ان مخرجاته ستكون كباقي الايام الحوارية حول كل القطاعات الحيوية والتي كانت فقط لالتقاط الصور وللتأكيد أن الحكومة تعمل ولكن ذلك العمل يدخل في اطار تسمع جعجعة ولا ترى طحينا؟ قطعا مشاكل تونس لا تحتاج الى ايام حوارية لأنها معلومة للجميع فأزمة ندرة الزيت المدعم تعلم الحكومة من المتسبب فيها وتعرف أن هنالك شركات احتكرت تكرير الزيوت المدعمة منذ عقود. وتسعى بقوة الى مواصلة احتكارها لهذا القطاع الحيوي. وتريد الرد بقوة على قرار منح حصص التكرير حسب طلب العروض وليس حسب نظام المحاصصة الذي تسعى شركتان فقط الى الابقاء عليه لانهما قبل الثورة كانتا تكسبان المليارات من حق تكرير الزيت المدعم ثم بيعه الى ديوان الزيت بأسعار هما اللتان تحددها وتكون أرباحهما كاملة وكبيرة خاصة أن حتى نسبة الضياع خلال عملية التكرير يتم احتسابها وتم "اسكات" شركات صغيرة للتكرير بقوة "العلاقات" فرضيت بالعمل تحت وصاية الشركتين الكبيرتين اللتين تسيطران بالكامل على هذا القطاع. كما تستعملان مشتقاته وما يبقى من التكرير لإنتاج مواد أخرى منها الزبدة والصابون ومواد اخرى. وهما معلومتان للتونسيين الا للحكومة وخاصة لوزيري التجارة والصناعة ليبقى التونسيون متواعدين دائما مع ذلك السيناريو البغيض الذي يعبث منفذوه بقوت التونسيين خاصة في الفترات التي يرتفع فيها نسق الاستهلاك مثل شهر رمضان المعظم لينسى المواطن في هذا الشهر المعظم جوعه وعطشه ويلهث وراء الزيت المدعم ولا يهم إن تلاكم من أجلها مع غيره او تلاسن لانه مخير بين شراء الزيت المدعم او الزيت النباتي المعلب وهنا المعضلة لأنه إن بحثنا عمن يستفيد من الزيت "السائب" والزيت النباتي المعلب فسنجد أنه ليس الا تلك الشركتين لا غيرهما لانهما هما فقط اللتان تبيعان الزيت النباتي وايضا الزيت المدعم . عادل الطياري