تختلف قرطاجنّة الرّومانيّة عن قرطاجنّة البونيقيّة على الأقلّ من النّاحيّة السّياسيّة، إذ لم تكن عاصمة سياسيّة للامبراطوريّة الرّومانيّة، مثلما كانت عليه في العهد البونيقي. وهذا يعني أنّ مُنافَستها لمدينة تونس أصبحت أقلّ أهمّيّة ممّا كانت عليه في العهد البونيقي. إذن هل ساعد سقوطُ قرطاجنّة البونيقيّة نُموَّ تونس في العهد الرّوماني ؟ يصعب تقديم إجابة جازمة، ويمكن أن نكتفي بالقول إنّ كلّ ما حدث لتونس هو تغيّرٌ في السّيّد الحاكم، حيث برز الرّومان بعد البونيقين، ثمّ ظهر بعد هؤلاء الوندال بقيادة جنسيريك، واحتلّوا قرطاجنّة، ومعها مدينة تونس في أكتوبر 439 م. وبعدهم أتى البيزنطيّون الّذين بقيادة باليزار طردوا جليمار آخر ملك واندالي سنة 533. ونتساءل هنا عمّا تميّزت به الأوضاع خلال قرنين ونصف بمدينة تونس خلال العهدين الواندالي والبيزنطي ؟ تنعدم الأخبار بصفة شبه كلّيّة بالنّسبة إلى هذه الفترة، باستثناء ما يهمّ جانبين: الأوّل يتعلّق بالقدّيسة أوليف Sainte Olive الّتي عاشت في العهد الواندالي، ودُفنت بموضع جامع الزّيتونة ممّا جعل المسلمين، فيما يبدو، يطلقون على جامع تونس اسم الزّيتونة؛ والجّانب الثّاني يتعلّق بتحوّل أهل المدينة إلى المسيحيّة حيث نعرف أسماء الأساقفة الّذين مثّلوا كنيسة المدينة في مؤتمر قرطاجنّة سنة 411، وكذلك في مجمع القسطنطينيّة سنة 553. وهذا يعني أنّ أهل تونس كانوا يعتنقون المسيحيّة، وبالتّالي تبنّيهم لإحدى مقوّمات الحضارة الرّومانيّة وهي المسيحيّة. بالنّسبة إلى العهد البيزنطي بإفريقيّة، أهمّ ما يُعرف عنه تقلّص الحياة العمرانيّة الحضريّة وتركيز السّلطات على النّاحيّة الدّفاعيّة العسكريّة ببناء مئات الحصون، خاصّة في النّصف الأوّل من القرن 6 م. فهل اهتمّ البيزنطيّون بتحصين تونس ؟. يبدو أنّ ذلك لم يتمّ، ربّما نتيجة لقلّة أهمّيّة تونس في ذلك العهد، إذ حافظت قرطاجنّة على مركزها كعاصمة لإفريقيّة. لكن لماذا ركّزت السّلطات البيزنطيّة بإفريقيّة على النّاحيّة الدّفاعيّة ؟ كان ذلك نتيجة لانعدام الأمن، وكثرة الثّورات البربريّة. وقد استغلّ والي إفريقيّة جرجير هذه الظّروف كي ينفصل عن الامبراطوريّة البيزنطيّة ويعلن نفسه امبراطورا سنة 646م، وينقل عاصمة مملكته من قرطاجنّة إلى سبيطلة. ويمكن تفسير هذا الانتقال إلى سبيطلة بحرص جرجير على تجنّب الحملات البيزنطيّة البحريّة، وخاصّة بسعيه إلى تيسير مقاومة الفتح الإسلامي لإفريقيّة. وعموما يمكن أن نستنتج أنّ تونس ليست مدينة إسلاميّة في تأسيسها، كما أنّها ليست مدينة رومانيّة، بل إنّ تأسيسها سابق للعهد الرّوماني بإفريقيّة، وبالتّالي يمكن أن تكون فينيقيّة الأصل، والأقرب أنّها بربريّة الأصل، وهو ما قدّمه جلّ الباحثين. يتبع