يعتقدُ الكثير من الفاعلين السياسيّين أنّ شيطنة خصم سياسي أو البحث عن إقصائه واستبعاده بطريقة أو بأخرى، سبيلٌ كفيلٌ بضمان النجاح. وأوشك أن يكون هذا الاعتقاد على نطاق واسع جدّا يشتركُ فيه سياسيّون من مختلف المشارب الفكريّة والايديولوجية.وهو أمر أصبح على غاية من الخطورة لأنّه فتح الطريق أمام الخطاب الشعبوي المُخاتل وغياب روح المسؤولية لدى طيف واسع من النخبة السياسيّة القائمة. وهو الاعتقاد الذي وصل في النهاية إلى بروز ظواهر العنف والتهديد بالقتل والتوعّد بالانتقام. ثقافة نفي الآخر وعدم الإيمان بالتنوّع والتّعدّد، داءٌ بات ينخر حياتنا الوطنية. وبلغ درجة عالية من التفشي في العلاقات السياسية والحزبيّة والاجتماعية أيضا، داءٌ يهدّد بصفة فعليّة الانسجام المجتمعي الذي عُرفت به تونس منذ القدم. وهو أيضا داءٌ يضرب مسار الانتقال الديمقراطي في عمق. إنّ ما يتواتر هذه الأيّام، بشكل متسارع، على مستوى الخطاب السياسي لا يبشّر بالكثير من التفاؤل. بل يدفع الى إطلاق صيحة فزع لإخراج الممارسة السياسيّة ممّا انحدرت فيه من كراهيّة وأحقاد وشحن وتجييش متبادل من أكثر من طرف وجهة. وعكست التهديدات بالإعدام والرمي بالرصاص والتوعّد بالسجون والمنافي، عُمق المأزق الذي تعيشه السياسة في بلادنا. فهل أضحت السياسة امتلاك القوّة والسلطة لنفي الآخر المخالف وقتله مرّة واحدة؟ أليست السياسة في أبسط تعريفاتها حماية الوطن من كلّ المخاطر وحسن إدارة شؤون المواطنين وتوفير العيش الكريم لهم؟ إنّ أهمية المواعيد الانتخابية القادمة ودقة الظرف الذي تعيشه البلاد على أكثر من صعيد، يستدعيان وقفة عاجلة من القوى الوطنية الصادقة للتصدّي لهذه الثقافة الإقصائيّة والعدائيّة التي أصبحت تطبعُ الجزء الأكبر من الممارسة السياسية وتجد امتدادا لها في جميع مناحي حياتنا الوطنيّة في ظل ما يترسّخ تدريجيا من نماذج الأنانيّة والفردانيّة والمصلحيّة الضيّقة والغنائميّة والنماذج الدموية والعنيفة المخلّة بالقيم الإنسانية النبيلة من أبرزها العيش المشترك في ظل التنوّع والحريّة في إبداء الرأي. لا أحد مستفيد، من هذا الوضع الكارثي الذي أصبحت عليه الممارسة السياسيّة، والذي يعود بِنَا تدريجيا الى ثقافة الإقصاء والاستئصال ونوازع التسلّط والاستبداد.