تحولت اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي (أليكا) في الأيام الأخيرة إلى كابوس مخيف للتونسيين بعد أن نبه منها خبراء اقتصاد وسياسيون ومنظمات وطنية وهياكل مهنية مختلفة. فكيف ستتعامل الحكومة مع هذا الملف الحساس؟ تونس الشروق: مخاوف عديدة يثيرها هذه الأيام ملف اتفاقية «أليكا» التي تنوي الحكومة التونسية والاتحاد الأوروبي إمضاءها قبل موفى 2019. فهي ستُمكن الطرف الأوروبي (أشخاص ومؤسسات) من حرية الانتصاب على التراب التونسي في عديد المجالات (انظر المؤطر) ومنافسة التونسيين فيها. تهديد ومخاوف سيكون انتصاب الطرف الأوروبي في تونس في المجالات المعنية باتفاقية «أليكا» بطريقة غير متساوية بالنظر إلى ما يملكه الأوروبيون من خبرات وامكانيات مادية ولوجيستية في مختلف القطاعات. وسيمثل ذلك تهديدا حقيقيا للفلاح التونسي ولمسديي الخدمات التونسي (المالية والتكنولوجية والسياحية والاتصالية والبنكية وغيرها) وللتاجر التونسي ولمنتج الأدوية التونسي وللبحار التونسي، وفق ما ذكره المحلل الاقتصادي محمد صالح الجنادي.. وستكون أهم الآثار المترتبة عن ذلك غلق موارد رزق عديدة (في ظل إمكانية افلاس أصحابها) وإحالة كثيرين على البطالة ومزيد إهمال الاراضي الفلاحية.. وستكون لكل ذلك انعكاسات أخرى متفرعة لا تقل خطورة وذلك على الصعيد الاجتماعي (بطالة – اجرام – احتقان – فقر). رفض تعددت في تونس في الفترة الأخيرة التحركات المناهضة لاتفاقية أليكا. حيث نبهت الى خطورتها المنظمات الوطنية أبرزها اتحاد الفلاحين والاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب وخبراء اقتصاد ومكونات من المجتمع المدني. وقد أكد المجلس المركزي لاتحاد الفلاحين مؤخرا أنه يرفض بشكل قطعي التوقيع على الاتفاقية في صيغتها الحالية مطالبا بإعطاء الأولوية لتأهيل القطاع الفلاحي ثم النظر في ما بعد في مثل هذه الشراكات. وكان أستاذ الاقتصاد عبد الجليل البدوي قد ذكر في ندوة نظمها مؤخرا مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية أن اتفاقية أليكا لها جانب سلبي هام. وهو الإضرار بعدد من القطاعات منها الفلاحة والاستثمار. كما دعت جمعية البحوث الاقتصادية والاجتماعية «محمد علي الحامي» مؤخرا إلى تشكيل جبهة وطنية ضد الاتفاقية باعتبارها مشروع هيمنة واعتداء على السيادة الوطنية وفق تعبيرها. وبذلك ستجد الحكومة التونسية نفسها في موقف صعب وحرج بين الضغوطات الداخلية الرافضة للاتفاقية والإملاءات الخارجية. مساواة وجاهزية حذر محمد صالح الجنادي من عدم وجود أرضية ملائمة في تونس للدخول في هذه الشراكة بندية وعلى قدم المساواة مع الطرف الأوروبي من حيث المنافع والواجبات المحمولة على كل طرف. وهو ما من شأنه أن يجعل الطرف الأوروبي يستفيد أكثر من الطرف التونسي على مستوى الربح المادي. فالاتفاقية ستجعل المنتوجات الأوروبية تتغول على حساب المنتوجات التونسية في السوق الداخلية أو عند التصدير. وهو ما يهدد النسيج الاقتصادي في البلاد القائم أساسا على المؤسسات الصغرى والمتوسطة والنسيج الفلاحي الذي يعاني بطبعه من الضعف والهشاشة. كما أن البلاد برمتها تبدو غير جاهزة لاستيعاب هذا التمشي الجديد حسب الجنادي من حيث المنظومة القانونية والتشريعية المنظمة لقطاعات الخدمات والفلاحة والتجارة ومن حيث الاستعداد المجتمعي لأن انتصاب المشاريع الأوروبية في بلادنا يعني توافد عدد إضافي من الأشخاص الأجانب على البلاد من ذلك اليد العاملة التي يمكن لهؤلاء جلبها من الخارج ايضا. ووسط كل ذلك ستحوم تساؤلات عديدة حول استهلاك هذه المشاريع الأوروبية الجديدة للطاقة المدعمة من الدولة وأيضا لمواد أخرى مدعمة. ومن جهة أخرى من المنتظر أن تمس هذه الاتفاقية من مبدإ المساواة بالنسبة الى تنقل الأشخاص حسب المتحدث. ذلك أن الطرف الأوروبي سيضع شروطا معينة لتنقل التونسيين نحو الفضاء الأوروبي بغاية الاستثمار هناك. وهي شروط تبدو صعبة التحقيق بالنسبة للتونسيين لأنها ترتكز أساسا على الحصول على تأشيرة بينما ستكون في المقابل هناك تسهيلات عديدة للأوروبيين للتنقل نحو تونس والانتصاب الاقتصادي فيها. ما هي اتفاقية أليكا؟ «أليكا» هي اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي. وتهدف الى تحقيق اندماج الاقتصاد التونسي داخل السوق الداخلية الاوروبية وعموما في الفضاء الاقتصادي الأورو- متوسطي وذلك عبر مزيد ادراج قطاعات جديدة فى منطقة التبادل الحر تنضاف إلى المنتوجات الصناعية والمعملية (التي تم تحريرها بموجب اتفاق الشراكة لسنة 1995 الذي أقر حذف المعاليم الجمركية). ومن أبرز المجالات المعنية ب»أليكا» تجارة الخدمات- الاستثمار وحماية الاستثمار - تجارة المنتوجات الفلاحية والفلاحة المُصنعة والصيد البحري - الصفقات العمومية- الإجراءات الصحية والصحة النباتية- الحواجز الفنية للتجارة-التنمية المستدامة- الجوانب التجارية المتعلقة بالطاقة..). وقد أبرمت الاتفاقية لأول مرة حكومة الترويكا سنة 2012 في إطار ما سمّي بإسناد تونس صفة «الشريك المميز». ونصت على التزام تونس بالدخول الفعلي في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول مشروع اتفاق تبادل حر، شامل ومعمق. وفي 2016 انطلقت الجولة الاولى من المفاوضات حول هذه الاتفاقية. وتواصلت 3 جولات أخرى آخرها الأسبوع الماضي. إيقاف الاتفاقية طالب مختصون وخبراء بضرورة إيقاف التفاوض مع الطرف الاوروبي حول هذه الاتفاقية أو على الأقل مراجعتها من أجل إضفاء المزيد من الحماية على الجانب التونسي الذي يعتبر الطرف الأضعف في الاتفاقية غير أن ذلك يبدو أمرا غير ممكن حسب محمد صالح الجنادي. إذ يبدو أن تونس موقعة على التزامات ذات صبغة مالية حصلت بمقتضاها على تمويلات كبرى من الجانب الأوروبي قصد تهيئة الأرضية الملائمة لامضاء الاتفاقية (القيام بإصلاحات – القيام بدراسات ..) لذلك قد يصعب عليها التراجع عن هذه الالتزامات وقد يصعب الامتناع عن إمضاء الاتفاقية. التأثير على علاقات تونس غير الأوروبية من المخاوف المحيطة بهذه الاتفاقية أيضا إمكانية تسببها في التأثير على علاقات بلادنا الاقتصادية مع أطراف أخرى خارج الفضاء الأوروبي على غرار الاقتصاديات الآسيوية او الامريكية أو الخليجية أو الافريقية بالنظر الى ما قد يقع فرضه على تونس من التزامات حصرية خاصة بالطرف الأوروبي فقط.