تتناثر الأيام وتتبعها الأعوام ويكبر الطفل الصغير متشبّعا بقيم وأخلاق نبي اللّه وتظهر مع كبره أسرار العناية الإلهية حين قوّض لعلي أن يتربّى وينشأ في بيت النبي، لكأنّ اللّه أراد لرسوله محمّد بن عبد اللّه ﷺ أن ينشئ ابن عمّه عليّا على مبادئه وعلى الطريقة النبوية التي تحفظه من أي زيغ وتحصّنه من الشرك ومن عبادة الأصنام، ولكأن المولى عزّ وجلّ هيّأ له مقادير ليكون سند النبي ورفيق دربه. اليوم نتوقّف عند مكانة سيّدنا علي كرّم اللّه وجهه لدى بن عمّه رسول اللّه ﷺ وكيف نشأ وكبر ليصبح حامل أسرار النبي ومحلّ ثقته المطلقة. فقد أخذ بيده ذات يوم وقال للناس: «أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» قالوا: نعم يا رسول اللّه، قال: «من كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه». فهل بعد هذه المكانة من مكانة يمكن أن تداني قدر علي عند رسول اللّه ﷺ؟ وهل بعد هذا التبجيل من تبجيل. ويمضي الرسول أبعد من ذلك في الحديث عن مكانة علي لديه فيقول: «من آذى عليّا فقد آذاني» وكأنما أراد أن يسمو بقدر بن عمّه ويرفعه الى مرتبة تليق بمقامه. وتروي الأحاديث أن رسول اللّه ﷺ لم يكن يتجاوب مع الوشايات والشكايات التي تصله عن علي... ولعلّ أشهرها تلك الواقعة التي سجلت عند عودة جيش المسلمين في سرّية ترأسها علي الذي أصاب جارية في طريق العودة فتعاقد أربعة من صحابة رسول اللّه على أن يخبروا رسول اللّه، ولما عادوا تقدّم إليه أولهم فقال يا رسول اللّه قد أصاب عليّ جارية، فأعرض عنه، ثم قام الثاني ومن بعده الثالث ثم الرابع فقالوا ما قال الصحابي الأول، عندها أقبل عليهم رسول اللّه غضبا وقال: ما تريدون من عليّ، علي منّي وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي... وأضاف: «لا تشكو عليّا فوالله إنه لأخشن في ذات اللّه أو في سبيله». وبذلك يكون رسول اللّه قد أعلى قدر علي وأعطى درسا لمعشر الصحابة وكل المسلمين حول مكانة علي. ولعل هذه المكانة التي يحتلها علي لدى رسول اللّه وكلام الرسول الثابت والواثق حوله هي التي أسهمت في إحاطة علي بكل تلك الهالة التي وصلت حدّ تقديسه وحدّ تأليهه مع أنه لم يكن يريد أن يسمع بهذا الكلام ورغم أنه أوسع في تقريع شيعته الذين خلطوا الحقيقة بالخيال وبالخرافة والأسطورة ليرسموا له شخصية ترتفع به زورا وبهتانا الى مستوى التأليه. مقابل هذا كان رسول اللّه ﷺ يعدّه للمقادير الكبيرة وللأحداث التي سوف تتوالى في مكّة بدءا بظهور الرسالة ومن ثمّ الهجرة الى المدينة وانتشار الاسلام، وقد أكمل هذه الإشارات والرسائل بتزويج علي بابنته فاطمة وهو ما سنتوقف عنده في حلقات قادمة.