تتالي الاستقالات من المجالس البلدية في ولايات الكاف وباجة وأريانة وبن عروس بعد عام من الأنتخابات البلدية التي كانت تحت شعار الحكم المحلي في جزئه الأول اذ اننا مازلنا ننتظر الجزء الثاني المتمثل في المجالس الجهوية التي ستكون منتخبة أيضا ! فبعد عام واحد سجلنا أستقالات بالجملة من المجالس البلدية وهناك مجالس أخرى عملها معطٌل او شبه معطل بسبب الاختلافات بين الرئيس والاعضاء أو بين الأعضاء المنتمين لأحزاب وقد كشفت هذه الاستقالات والمشاكل التي وصلت الى حد تبادل العنف في أحيان كثيرة عن أزمة الحكم المحلي الذي أقره المجلس التأسيسي ! فقد تم استنساخ النماذج الأوروبية واعتماد الصلاحيات الواسعة للمجالس البلدية وخاصة لرؤسائها في عملية أستنساخ مسقطة للتجارب الغربية التي تختزل أكثر من قرن من التجربة ومن ثقافة المواطنة وثقافة فصل الدين عن الدولة واحترام القانون والقيام بالواجب الضريبي والأداء البلدي وهو ما نفتقر اليه ونحتاج قرونا أخرى لنصل الى ما وصله الأوروبيون في مستوى تجذير ثقافة القانون والمواطنة والجمهورية التي يتساوى فيها الجميع فلا قبيلة ولا عائلة ولا دين الجميع أمام القانون مواطنون فقط ! لقد فضحت تجربة عام واحد حجم الإسقاط في منظومة الحكم المحلي التي كانت قفزا في المجهول إذ لم تتم مراعاة الخصوصيات التونسية وتم التعسف على جهات بإحداث بلديات دون أن تتوفٌر لها مقومات العمل البلدي ولا الموارد المالية من أجل تطبيق الدستور في جانب الحكم المحلي ! إن الأزمة التي تعيشها البلديات هي جزء من أزمة أكبر فالنظام السياسي الذي تم أقراره في الدستور يصلح لدول أخرى وليس لتونس التي مازالت في خطواتها الديمقراطية الاولى ، فالديمقراطية ليست زرا نضغط عليه لننعم بجنتها بل هي مسار طويل من ثقافة المواطنة واحترام الاختلاف وتوفير الأرضية الثقافية والاجتماعية والقانونية الملائمة للحكم المحلي الذي كشفت التجربة أنٌه مازال مجرد شعار وبين الحقيقة والشعارات مسافة وأي مسافة !