بعد 10 أشهر من تركيز البلديات التي كانت النهضة في صدارة قائماتها، برزت علامات التصدع في بعضها لأسباب متشابهة تعلقت بالتفرد بالرأي. وأغلب هذه المجالس ترأستها شخصيات من النهضة، فماذا يفسر اذن خسارة الحركة للبلديات؟ تونس «الشروق» : وتم بشكل رسمي حل مجلسين بلديين في باردو من ولاية تونس وفي سوق الجديد من ولاية سيدي بوزيد،ومن بين البلديات التي قدم أغلب أعضائها استقالتهم الجماعية الى والي الجهة بما يرجح فرضية حلها في الايام القادمة نجد 3 بلديات آلت رئاستها الى شخصيات منتمية الى حركة النهضة على غرار رئيسة بلدية سكرة فيروز بن جمعة ورئيسة بلدية نعسان سعيدة الزوايدي ورئيسة بلدية بهرة لمياء المناعي. وتشترك الاتهامات الموجهة الى رئيسات هذه البلديات المهددة بالحل في التفرد بالرأي واحتكار سلطة القرار والتصرف الاحادي الجانب وهي المؤاخذات نفسها التي حملها أعضاء المجلس البلدي بباردو ضد رئيسة بلدية المكان المنتمية الى النهضة بدورها زينب بن حسين. فماهي أسباب خسارة النهضة لهذه البلديات؟ تبدو المسألة مفتوحة على عدة تفسيرات منها ما يبين تراجع شعبية حركة النهضة قياسا بخسارتها مليون صوت انتخابي منذ 2011 ونصف المليون قياسا بانتخابات 2014، ومنها ما يؤشر على حالة خاصة في مستوى إخلالات في فهم فلسفة السلطة المحلية، ومنها أيضا ماهو متصل بفشل سياسة التوافقات وتحالفات «ضد الطبيعة». سياسة التناقضات ومن جانبه يرى المحلل السياسي فريد العليبي في مجمل تصريحه ل»الشروق» أن حركة النهضة ورطت نفسها من خلال وعد التونسيين بما لم يكن باستطاعتها تنفيذه في مناسبات انتخابية مختلفة. وآخرها الاستحقاقات البلدية الأخيرة على غرار تشغيل آلاف المعطلين ومحاسبة التجمعيين وتوفير»الويفي» والعديد من الوعود. ولئن نجحت النهضة وفق محدثنا في البداية في جلب قاعدة انتخابية تروق لها تلك الوعود فإن العجز عن التنفيذ جعل تلك القاعدة تنفض من حولها. وهذا كان من نتائجه غياب الثقة بين الحاكم والمحكوم. ومن هنا فإن نجاحها في السيطرة على بعض المؤسسات مثل المجالس البلدية أصبح موضع نظر، خاصة في تلك البلديات التي نجحت في تصدرها. ويرى العليبي أنّ هذه التناقضات التي أنتجتها حركة النهضة احتدت بشكل تدريجي. وكان لها دافع سياسي جعلها تبلغ مرحلة الانفجار بسرعة. وتابع قائلا: ‹›لقد أصبح واضحا أن الحركة تريد تمرير سياساتها ليس أكثر بينما كان لمن وضعتهم في قائماتها رغبات أخرى وكذلك برغبات شعبية تتعلق بتحسين ظروف معيشية. وعندما وصل الأمر الى هذه النقطة غاب الاتفاق وحضر الشقاق. فالحركة أرادت التلاعب بمن وضعتهم في قائماتها وهؤلاء أرادوا التلاعب بها. ومنهم تجمعيون سابقون. فاللعبة السياسية في تونس لا تزال تدار بين التجمع من جهة وحركة النهضة من جهة أخرى». حراك انتخابي ومن جهته يقدم الخبير في الشأن المحلي والمكون بمركز التكوين ودعم اللامركزية محمد الضيفي تفسيرا آخر للمسألة معتبرا أن حركة النهضة بوصفها الحزب الذي لديه أكثرعدد من رؤساء البلديات من المنطقي أن يكون على هذا الحال لاسيما ان النهضة ترأست 130 بلدية من إجمالي 350. ويرى الضيفي أن السبب الرئيسي وراء الاستقالات الجماعية في المجالس البلدية التي تعود رئاستها الى حركة النهضة يكمن في رأيه في الحراك الانتخابي باعتبار أن النهضة هي خصم جل الأحزاب السياسية التي تشاركها تشكيل المجالس البلدية وذلك في سياق اتجاه شعبي رافض للنهضة. الولاء للحزب كما شدد الضيفي على أن مسألة الانفراد بالرأي التي تضمنتها جل الاستقالات من المجالس البلدية ومنها تلك التي تترأسها حركة النهضة تثبت تهمة عدم قدرة رؤساء البلديات على التواصل مع باقي مكونات المجلس البلدي. كما نصت على ذلك الفلسفة الجديدة للسلطة المحلية. ويرى الضيفي أن التفرد بالرأي يؤكد تمترس عدد رؤساء البلديات ومكوناتها وراء أحزابهم وخدمة مصالحها والولاء لها على حساب خصوصية العمل المحلي الذي لا يمكن له النجاح سوى عبر التشاركية. في المحصلة وعلى اختلاف التفسيرات فإن فشل التوافقات الهجينة والهشة بين مختلف العائلات السياسية داخل المجالس البلدية وسيطرة المعطى السياسي على العمل البلدي عجّل بحدوث العديد من الاستقالات في المجالس البلدية كونفدرالية رؤساء البلديات تحذر التفاف على السلطة التنفيذية؟ دعت الكونفدرالية التونسية لرؤساء البلديات سلطة الاشراف الى التدخل لإيقاف نزيف الاستقالات الجماعية في المجالس البلدية قصد المحافظة على الاستقرار داخلها معتبرة ما يحدث التفافا على السلطة المحلية وضربا لاستقرار المجالس البلدية. كما دعت الكونفدرالية في بيان صدر عنها أمس كل الاطراف السياسية الى النأي بمؤسسة رئيس البلدية عن كل التجاذبات السياسية والحملات الانتخابية السابقة لأوانها. أسباب الفشل يؤكد خبراء الشأن المحلي أن تزايد الخلافات داخل المجالس البلدية ناتج أولا عن عدم فهم المستشار البلدي لدوره أساسًا بسبب عدم تحضير الأرضية لمجلة الجماعات المحلية التي تمت المصادقة عليها خلال الحملة الانتخابية للبلديات، وثانيا بسبب فقدان ثقافة تسيير الدولة لعدد من المرشحين الموالين للأحزاب وليس للعمل البلدي، وثالثا نظام التمثيل النسبي في الاقتراع الذي جعل المجالس البلدية في شكل برلمانات مصغرة محكومة بمنطق الصراع وغير قادرة على التوافق. رئيسات بلديات النهضة موضع الاتهام قدم أول أمس 15 عضوا بالمجلس البلدي بنعسان استقالتهم الى والي بن عروس متهمين رئيسة البلدية المنتمية الى حركة النهضة سعيدة الزوايدي بالتفرد بالرأي. والتهمة ذاتها وقع توجيهها الى رئيسة بلدية باردو زينب بن حسين(النهضة) قبل حل المجلس البلدي. وهي موجهة ايضا الى كل من رئيسة بلدية بهرة من ولاية الكاف لمياء المناعي(النهضة) ورئيسة بلدية سكرة فيروز بن جمعة(النهضة).