اختار الفنانان الخالدان صالح الخميسي وصليحة الحلفاوين مقر للسكنى اعتبارا لقيمتها التاريخية وقربها من المثقفين والمبدعين الذين تعج بهم هذه الرقعة العريقة من التراب التونسي ... حيث كانت السهرات والمسامرات الأدبية والفكرية واللقاءات الفنيةفي رمضان من ذلك ان أفريل 1958 مع حلول شهر رمضان... وكانت صالة الفتح شاهدة على آخر لقاء فني جمع صالح الخميسي وصليحة... فقد برز هذا الثنائي بشكل لافت في إضفاء المرح والطرب على رواد صالح الفتح في ليالي رمضان 1958 ثنائي ابداعي كبير خلدته المدوّنة الموسيقية التونسية في تلك الليالي من عام 1958 شاءت الصدفة ان يلتقي صالح الخميسي وصليحة في بطحاء الحلفاوين ليكتبا معا صفحات خالدة في الأغنية التونسية رحلة ثنائية امتدت على طول سنوات عديدة كان فيها هذا الثنائي في قمة العطاء الفني، نجح هذا الثنائي في إضفاء طابع خاص على الحفلات والسهرات الفنية التي يؤثثانها معا حتى كان رمضان 1958 في شهر أفريل عندما حطّ هذا الثنائي الرحال في صالة الفتح.. كانت ليالي طربية خالدة في الذاكرة تتخللها محطات مرحة... ولم يكن يدر بخلد أي منهما أنه آخر رمضان يلتقيان فيه لإسعاد الساهرين... فصالح الخميسي فارق الحياة يوم 10 جويلية 1958 وصليحة يوم 26 نوفمبر 1958... رحل هذا الثنائي الى دار الخلد لكن بقيت آثارهما الغنائية حاضرة بقوة في الذاكرة هو الابداع والصدق والصفاء والنقاء والجد. درس صالح الخميسي الموسيقى بالمعهد الرشيدي وكان زميلا للراحل صالح المهدي في دراسة آلة الناي على يد الفنان علي الدرويش الحلبي سنة 1938 ذاع صيته كفكاهي وتعامل مع أبرز الكتّاب مثل علي الدوعاجي وحسين الجزيري كما ألّف عديد الأغاني الهزلية، ميزته الخاصة عند أدائه أغانيه تتمثل في اعتماده على الحركة من ذلك انه يتابع اللحن بالتصفير ويقلّد الأصوات. أما بالنسبة لصليحة فإن الفنان الليبي الاصيل البشير فهمي هو من أخذ بيدها وهي تخطو خطواتها الأولى في عالم الموسيقى والأغنية بتونس حيث قدمها لأول مرة في حفل افتتاح الاذاعة التونسية (أكتوبر 1938) بالمسرح البلدي لمطربة ناشئة وكفلها بعد ذلك الفنان الباجي السرداجي هذا الأخير قدمها الى المعهد الرشيدي حيث استمع اليها شيخ المدينة مصطفى صفر مؤسس الرشيدية. انطلقت صليحة في تأثيث مسيرتها الفنية تحت لواء الرشيدية وكانت أول أغنية حفظتها هي أغنية (من فراق غزالي) وسجلتها الى درجة الاتقان التام ولم تقف عند حدّ الأداء الشعبي للطرب وإنما تعدته الى غناء ما لحن من قصائد لفصحاء الشعر: «هجر الحبيب» لمصطفى آغا و«عذل الغواذل» للطاهر القصار.. وقدمت صليحة الألحان الشعبية وكانت في أهازيج البدو أعظم منها في اي لون آخر، وهنا تنفرد صليحة بموهبتها وعبقرية صوتها فهي فريدة حين تغني «آش يفيد الملام» و«عيون مكحولين» وغيرهما من أغاني البيئة الأصلية. وأبدعت صليحة في «بخنوق بنت المحاميد» وفي «مريض فاني» وقدمت الغناء التقليدي مع استعمال ما يسمى بالتناغيم زيادة على حفظ الطابع الأصلي للأغنية وصوتها ذاته نادرا أن يتكرّر في الفن التونسي. هي صليحة الصوت الطربي الخالد الذي لازال حيّا في وجدان كل محبّ ومريد للأغنية التونسية بخصوصياتها وطيوعها ونغماتها. هي صليحة التي كانت احدى نجمات صالة الفتح في ليالي رمضان على امتداد أربعينات وخمسينات القرن الماضي... حتى رمضان أفريل .1958.