تعود مهنة « بوطبيلة « الى العهد الاغلبي ... وقد عرفت الحلفاوين خلال ثلاثينات واربعينات وحتى خمسينات وستينات القرن الماضي حضورا كبيرا لهذا الشخص ضمن عادات وتقاليد شهر الصيام وهو شخص من ساكني ذاك الحي يتم اختياره من ضعاف الحال حتى يستغل فرصة هذا الشهر الكريم ليجمع قسطا بسيطا من المال". وقد جرت العادة أن يكون شخصا عارفا بالساكنين حتى يقف ساعة قبل الامساك يوميا مناديا بأسمائهم ليوقظهم للسحور. يجوب «بوطبيلة» شوارع وازقة الحلفاوين طيلة شهر رمضان ضاربا بعصاه على طبلته مرددا بعض الأناشيد مناديا للسحور مهللا بكل من يعترضه لا سيما الأطفال الذين يتراقصون في بعض الأحيان على أنغام طبلته سعيدين بقدومه. صوت بوطبيلة ارتبط ارتباطا وثيقا برمضان فلا تحلو ليالي الشهر الكريم بدونه فالعائلات التونسية تفتقد صوته وأنغامه وينتظرونه كل ليلة فعم «بوطبيلة « صديق الجميع يضل يجوب الشوارع طيلة الشهر وفي العيد يستقبله الناس بالترحاب ويتبادلون معه التهاني، ويقدمون له الهدايا والحلويات، وكل حسب مقدرته لتكون عطاياهم زكاة فطرهم. ومن العادات الأخرى التي كانت مصاحبة لهذه الظاهرة الاجتماعية هو أنه ليلة 27 من شهر رمضان يجوب بوطبيلة الحي ساعة بعد الإفطار ويقف أمام كل منزل ويسمي اسماء الابناء الذكور فيها، فيخرج الصغار ليقدموا له شيئا من الحلويات وقليلا من المساعدات المالية، والغاية من ذلك تعليم الأطفال الصغار قيمة الصدقة والزكاة ومساعدة الفقراء". اليوم شهدت هذه العادة تلاشيا واضمحلالا يوما بعد آخر لأنه لم يعد لها موجب باعتبار وسائل التكنولوجيا المعتمدة والمتطورة، وحتى وجوده في بعض القرى والمدن فإنه من باب إحياء التراث والفلكلور الشعبي لا غير." ورغم ذلك يبقى شهر رمضان في المخيال الجماعي للتونسيين ذلك الضيف خفيف الظل الذي يطل عليهم سنويا بعادات وتقاليد أبى الزمن أن يمحوها من ذاكرة التونسيين الجماعية إلى جانب ما يميزه من جانب روحاني، ومن بين ما رسخ في ذاكرة التونسيين هذه المهنة العريقة، فقد لا يحتاج الصائمون في الأيام الحالية إلى خدمات المسحراتي او « بوطبيلة» نظرا للتطور التكنولوجي الذي يشهده العصر لكن مجرد وجوده كعادة وظاهرة اجتماعية من شأنه أن يضفي طابعا خاصا على هذا الشهر المعظم.