وكان رد الفعل في نفس صدام هو أن يحاول الخلاص بالقوة من هذا الكمين الذي يدبر له، واتفق مع شخص يدعى ((عوني رفاعي)) أن يجلب له – أثناء ذهابهم إلى التحقيق – مسدسات يستعينون بها على محاولة تخليص أنفسهم قبل أن تبدأ المحاكمة ويجد نفسه مع رفاقه طعاما سائغا لمقصلة المهداوي. وشرح لرفيقيه في القضية الخطة التي يدبرها كان أحدهما ابن عم أمه والثاني ابن عمه شابان مثله أما خاله وعمه اللذان كانا متهمين معه، فلم يفاتحهما، غير أنه عاد فتريث في تنفيذ الخطة إذ خشي أن تنفرد السلطة بخاله وعمه وهما لا يستطيعان الهرب. وبعد فترة قصيرة، كان المد القومي قد بدأ يشتد مرة أخرى، وأعيدت أوراق القضية إلى العرف العسكري الأول فألغي قراره باستخدام القوة للخلاص من المحاكمة وبقي في السجن ستة أشهر ثم أفرجت عنه المحكمة وبرّأته من التهمة التي ألصقت به. عاد إلى القرية، وكان يخرج كل مساء، ليكتب على جدران البيوت ومباني المؤسسات شعارات البعث من العوجة إلى تكريت. كان المارّة يقرؤون كل صباح كلمات جديدة لا يعرفون من كتبها. وأقبل عليه ذات يوم رفيق حزبي اسمه (عطا حسين السامرائي) وهو في قريته العوجة، حيث كان مازال يعيش مع عمه ووالدته وقال له : إن الحزب يريدك في بغداد. في صباح اليوم الموالي، سلك طريقه على الفور نحو العاصمة واتجه إلى بيت مسؤوله الحزبي وكان يومها عبد الخالق السامرائي ولكن مسؤوله لم تكن لديه صورة واضحة عما يريده الحزب منه ولا المهمة التي يريد إلقاءها على عاتقه. قال له السامرائي : سيمر عليك أحمد طه العزوز وكل ما أعرفه أنه سيأخذك إلى الجهة الحزبية التي طلبتك وهناك سيقولون لك ما هو الواجب الذي يترتب عليك بعد ساعات طرق بابه (احمد طه العزوز) وصحبه إلى شخص آخر اسمه إياد سعيد ثابت نظر إليه إياد بعمق وقال له بصوت هادئ رزين واضح النبرات : «الواجب» هو ضرب عبد الكريم قاسم فهل أنت مستعد؟ على الفور أجاب صدام حسين بصوت فيه رنين فرح : بالطبع أنا مستعد.. لقد اعتبر تكليفه بهذا الواجب تكريما له ،فمثل هذه المهمة الكبيرة عندما توكل إليه هو الحزبي الحديث العهد بنضالات الحزب لابد و أن تنطوي على تقدير خاص له. لم يكن استخدام السلاح غريبا عليه فلقد امتلك أول مسدس وهو في العاشرة من عمره حين كان هاربا من بيت أسرته في طريقه إلى تكريت كي يدخل المدرسة رغما عنهم، ولكن استخدام المدفع الرشاش كان يحتاج إلى بعض التدريب فأداه بسرعة في منطقة تعرف باسم «الحصوة». كان عبد الكريم قاسم قد اعتاد أن يسلك شارع الرشيد في ذهابه من بيته إلى مكتبه في وزارة الدفاع أو أثناء عودته من مكتبه إلى بيته في (العلوية)، ولذلك كان لابد أن يكون شارع الرشيد مسرحا للعملية. استأجر الحزب شقة في شارع الرشيد، و أقام فيها صدام حسين ورفاقه الذين يشاركونه تنفيذ الخطة وفي الخارج كان هناك من يراقب الطريق ليعرف الاتجاه الذي سوف يسلكه قاسم فإذا كان قادما من ناحية الباب الشرقي ستكون كلمة السر «شكري»، وإذا كان قادما من ناحية وزارة الدفاع ستكون كلمة السر «محمود»، والفرق بين الاثنين هو رصيف الشارع الذي سوف تمر بجانبه سيارة «الزعيم الأوحد»، حتى تكون تحت مرمى البنادق الرشاشة. يتبع