من أهم الاسئلة المحورية التي تراود مخيلاتنا سواء كنا أطفالا أو شبانا ثم حين نتولى مسؤولية غيرنا ونصبح آباء هو ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ اي وظيفة تحلم بأن تشغلها؟ هذه الاسئلة تختلف الاجابة عنها حسب اختلاف المرحلة العمرية لطرحها او المسؤولية العائلية الا انه للاجابة عنها بموضوعية وبطريقة تطمئن الجميع اطفالا وشبانا وآباء لا بد ان تتولى الدولة تحديد الوظائف الملائمة حسب العصر وظروف البلاد وطبيعة اقتصادها. فالدولة موكول اليها ان تحدد للسائلين ان كانت تلك المهن التي حلموا بها هي مهن المستقبل بالفعل أم لا ؟ واي طريقة على الحكومة اتباعها لتهيئة ابنائنا لسوق الشغل لا أن تفكر في تهيئة سوق الشغل لهم لانها ساعتها سيكون من الطبيعي ان تصل نسبة البطالة الى ما يقارب عن 15,5 بالمائة من مجمل التونسيين وان ترتفع من سنة الى اخرى نسبة بطالة حاملي الشهائد الى ان تقارب على نصف مجمل العاطلين عن العمل في تونس. ان المشكل الاساسي في تونس الذي عمق نسبة البطالة ووتر الاجواء وايضا عطل الاقتصاد لان المؤسسات لا تجد حاجتها من الكفاءات هو الهوة المتسعة يوما بعد يوم بين سوق الشغل والتعليم بمختلف مساراته لنتمسك ببرامج تعليمية لا جدوى من ورائها. اذ لا تكون ما تحتاجه البلاد من كفاءات في اختصاصات ضرورية لتطوير الاقتصاد. ويكفي أن نذكر بأن البنك أكد في عدة دراسات له على «شكل الوظائف في المستقبل» مبينا أنه سنة 2020 سوف يحتاج العالم إلى 600 مليون وظيفة جديدة. مازالت الحكومة التونسية لا تلقي بالا لمثل هذه الدراسات التي عكفت مؤسسات تونسية على ان تضع دراسات مماثلة لها لكي تراعي ظروف البلاد وخصوصياتها وآخرها ما أشارت اليه ندوة نظمتها قبل ما يزيد على أسبوعين مؤسسة المرحوم الهادي بوشماوي بقابس. وكان موضوعها مهن المستقبل التي أثثها خبراء من أعلى طراز من تونس ومن خارجها. وقد خلصت تلك الندوة الى ان سوق الشغل في تونس تستقبل سنويا حوالي 60 ألف متخرج جديد من حاملي الشهائد والاختصاصات المختلفة في وقت تشهد فيه نسبة البطالة في صفوف حاملي هذه الشهائد زيادات متواترة سنويا لأن تلك الاختصاصات غير مشغلة. كما ان أغلب الشعب التعليمية لا يحتاجها سوق الشغل وما على القائمين على قطاعات التعليم والتكوين والتشغيل ومختلف الأطراف المتداخلة الا إيلاء العمل على تغيير سياسة البلاد التعليمية في اتجاه مواكبة التغييرات المتسارعة التي يشهدها العالم اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وبيئيا وتكنولوجيا لأن الوضع الحالي لا ينتج الا الخسارات على كل المستويات. فالدولة تنفق على تعليم «غير منتج» والشبان يبذلون جهودا يعلمون أنها ستضيع في مهب بطالة مستفحلة أما المؤسسات فإنها ستبقى في انتظار الكفاءات والمهارات التي تحتاجها والتي ستدعم فرص تأهيلها وتطويرها. وفي انتظار ان نترك الخلافات السياسية جانبا ونعدل بوصلتنا على مصلحة البلاد نشير الى ان المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أصدر سنة 2016 دراسة حول التشغيل في تونس خلصت إلى أن عدد مواطن الشغل الشاغرة سوف تكون سنة 2020 في حدود ربع مليون وظيفة .. فأي مفارقة هذه في بلد تحاصره المشاكل من كل جهة؟ وهل سيسارع المسؤولون بالتحرك لحل المعضلة قبل ان تتفاقم تداعياتها السلبية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي «المتعفنين» أصلا؟