بَعد الإعتزال يبدأ اللاعب التونسي حياةً جديدة قد تقوده إلى بيع الكلام في أستوديوهات التحليل أودخول عالم «السَّمسرة» أوكذلك بَعث «الأكاديميات» الخاصّة والمشاريع التجارية فضلا عن التدريب لمن استطاع إليه جُهدا وصَبرا. وقد اختار مدافعنا الدولي السّابق وأحد أبطالنا في 2004 راضي الجعايدي أن يسير في الطريق الأصعب بعد أن افتكّ مكانا بين الأنقليز الذين قد يُجاملون في كلّ شيء إلا في الكرة التي صَنعوها بأيديهم والتي يُميّزون من خلالها الغث من السّمين. وقد كان الجعايدي طبعا من الناجحين في امتحان الأنقليز الذين راهنوا عليه كلاعب ثمّ كمدرّب للشبان وهي من الحقائب الحسّاسة والتي قادت نجمنا السّابق إلى منصات التَتويج مع «سَاوثهامبتون» في انتظار الفرحة الكبرى بالإرتقاء إلى «البروميارليغ» خاصّة أن طموحات ضيفنا في عدد اليوم بلا حدود حتى أنه «يُرابط» في أنلقترا منذ سنوات ليُحقّق هذه الأمنية الغالية مُتسلّحا بقول «شِكسبير»:»أكون أو لا أكون». هل كُنت تَتوقّع مِثل هذه الانطلاقة الواعدة في عالم التدريب وفي بلد يُمارس «الكرة الحقيقية» ويُعتبر المُؤسّس الفِعلي للّعبة في شكلها الحَالي؟ أنا شخص يُؤمن بقيمة العمل ولا يعترف لا بالحظ ولا بالمستحيل ويعلم القاصي والداني أنّني اجتهدت وثابرت لتكون مسيرتي الكروية ناجحة سواء مع الأندية والمنتخبات التونسية أوفي صفوف الجمعيات الأنقليزية التي لعبتُ لفائدتها. وبعد الإعتزال تقيّدت بالمبادىء نفسها واقتحمت عالم التدريب بقلب من حديد. وكنت على يقين من النجاح في تحقيق طموحاتي رغم أن المَهمّة كانت عسيرة بحكم أن الأمر يتعلّق باللعب في المستويات العالية وفي دولة تملك أعتى الجمعيات وأقوى الدوريات في العالم ولن نبالغ في شيء إذا قلنا إن أنقلترا هي بلاد الكرة وهذه الحقيقة يشهد بها التاريخ والواقع الذي يؤكد أن «المنتوج» الأنقليزي هو الأفضل في الوقت الراهن. من الواضح أنّك كافحت كثيرا لتقتلع مكانا تحت شمس «لندن» (النّادرة). أليس كذلك؟ نعم لقد جَاهدت وحَاربت لأفرض نفسي في المشهد وأقود شبان «ساوثهامبتون» إلى التتويج بالبطولة (لأقل من 23 عاما) وهي ثمرة صَبر كبير وعمل جبّار لمدّة سبع سنوات. فقد كانت البدايات في 2012 حيث اشتغلت في الظل وحاولت الإستفادة قدر المُستطاع من تجارب الفنيين الذين يفوقونني في التجارب والخِبرات. وفي 2017 جاء الخبر السّار بترقيتي من صنف المُساعدين إلى رتبة «الكُوتش» وفي الموسم الحالي نجحنا في إحراز البطولة وهو مكسب كبير وقد يكون من اللّحظات الفَارقة في مسيرتي التدريبية. بعد كلّ هذه السنوات والتضحيات في أصناف الشبان ألا تعتقد أن ساعة الظهور في الدوري الأنقليزي المُمتاز قد دقّت؟ المُتأمل في تجربتي التدريبية في الكرة الأنقليزية يدرك جيدا أنّني اخترت التدرج وعدم حَرق المراحل اقتناعا مني بأن تسلق السلم ينبغي أن يكون بشكل مدروس وبخطوات ثابتة لا عبر التسرّع والإرتجال. وأعتقد أن الإلتحاق ب»البروميارليغ» سيأتي في اللّحظة المُناسبة خاصّة أنني جهّزت نفسي على كلّ المُستويات لأقتحم هذا العَالم الذي يَسحر الملايين من الناس. وبالتوازي مع تجربتي الثرية في أصناف الشبّان تحصّلت على أعلى الدرجات التدريبية التي تُخوّل لي العمل في المستويات العالية بكلّ ثقة في النّفس. سَمحت لك تجربتك الفريدة مع «ساوثهامبتون» بالتعرّف عن كثب عن اللاعب التونسي - الفرنسي «يان فاليري» فهل لديك فكرة واضحة عن قراره النهائي بخصوص الإنضمام للمنتخب الوطني؟ «يَان فاليري» كان خامس خمسة لاعبين قمنا بتكوينهم وتدريبهم في الأصناف الشابة قبل أن يتمّ إلحاقهم بالفريق الأوّل ل «سَاوثهامبتون» بحكم أنهم من «الكَوارجية» المُتميّزين في مراكزهم. ويملك «فاليري» مؤهلات عريضة في الدفاع. ومن المُتوقّع أن ينجح في نحت مسيرة مُوفّقة في الدوري الأنقليزي أمّا بخصوص «قضية» التحاقه بالمنتخب الوطني التونسي فإن هذا الأمر يبقى من القرارات الشخصية وليس من حقّ أي فرد أن يُؤثر في «مُخطّطات» اللاعب. وما أعرفه شخصيا أن «فاليري» مُنشغل في الوقت الراهن بفرض نفسه في الصف الأول وهذا الهدف يحتاج إلى تركيز عَال وعمل كبير وهو ما قد يجعله يُؤجل الحسم في مستقبله على صعيد المنتخبات الوطنية. وأعتقد أن اللاعب لا يفكر في الوقت الراهن في الإنتماء إلى تونس أوفرنسا بقدر حرصه على ترسيم نفسه مع «ساوثهامبتون». ومن جهتي أتواصل مع «فاليري» وأؤكد أنني لن أبخل بالجهد لتسهيل عملية إلحاقه بالمنتخب التونسي هذا طبعا في صورة حسم أمره وعبّر عن رغبته في الدفاع عن الأزياء الوطنية التي نريدها أن تكون من نصيب العناصر الأكثر استعدادا للّعب معنا دون قيد أوشرط. بالحديث عن المنتخب وقع تداول اسمك بقوّة كمرشّح للعمل ضمن الإطار الفني خاصّة في ظل خبرتك بأجواء الفريق وتجربتك الواعدة في أنقلترا. فهل من ايضاحات حول هذه الترشيحات؟ أنا ابن المنتخب وقد تُوجّت معه باللّقب الإفريقي الغالي في 2004. وأعتبر أن خدمة الفريق الوطني واجب ولا يُمكن التأخر أبدا في تلبية النداء. ولاشك في أن العودة إلى صفوف «النسور» في ثوب المدرب شرف كبير ويُسعدني كثيرا العمل ضمن الإطار الفني للمنتخب عندما تسمح الفرصة بذلك. ولا أعرف حقا إن وقع تداول اسمي في الكواليس كمرشح للإشتغال في المنتخب الوطني وكلّ ما يُمكنني قوله إنني لم أتلق أيّ إتصال رسمي في الموضوع. والجدير بالذكر أن رئيس الجامعة هاتفني من أجل تهنئتي بنجاحي مع فريق «ساوثهامبتون» وقد أسعدتني هذه الحركة الرائعة لأنها تعكس مشاعر الفخر بكلّ المَكاسب التي تُحقّقها الكفاءات التونسية في الخارج. مع خلال تجربك الناجحة وخبرتك الواسعة مع الفريق الوطني أيّة حظوظ ل «النُسور» في «كَان» مصر؟ نحن لا نملك لاعبين من الطّراز الكبير لكن لا تَعوزنا الامكانات للذهاب بعيدا في الكأس الإفريقية المُنتظرة في مصر. وأعتقد أن فريقنا يستمدّ قوّته بالأساس من روح المجموعة فضلا عن توفّر المهارة لعدد من عناصرنا الدولية مثل الخزري والسليتي والمساكني الذي حافظ على لمسته الفنية رغم الإصابات والصعوبات التي عاشها في الفترات الأخيرة (مع العلم أنني كنت قد نصحته منذ 2012 باللّعب في أنقلترا وهذا الموضوع يطول شرحه وقد أصبح جزءً من الماضي). كما أن الجامعة وضعت ثقتها في مدرب خبير بالأجواء الإفريقية وهو الفرنسي «ألان جيراس» ومن المفروض أن يستثمر الرّجل مَعارفه بمثل هذه المسابقات القارية ليقود الفريق نحو النجاح. ومن المُؤكد أن النجاح سيكون رهن التحضيرات التي سنقوم بها عشية «الكان» فضلا عن حسن التصرف مع الرسميات وبصفة خاصّة المواجهات الإفتتاحية بحكم أن الانطلاقة ستُحدّد بنسبة كبيرة سقف الطموحات وحقيقة الامكانات. في سياق الحَديث عن اللاعبين «الكِبار» ماذا يَنقصنا لنُصدّر إلى «البروميرليغ» أوغيره من الدوريات القوية أسماءً بحجم صلاح ومحرز و»مَاني»؟ تونس «ولاّدة» وتزخر بالمواهب الكروية لكن الإشكال يَكمن في وجود العديد من العراقيل والعوائق خاصة على مستوى البِنية التحتية والتكوين. وأعتقد أن المواهب التي نملكها في كامل ربوع البلاد لن تبلغ المستويات العالية ما لم تحدث «ثورة» حقيقية في المنشآت الرياضية التي تعيش حالة كَارثية. كما أنه لا يخفى على أحد أننا نُواجه عدة صعوبات على مستوى التكوين وقد علّمتني تجربتي الحالية مع الأصناف الشابة في أنقلترا بأن الإشراف على هذه الفئات العُمرية عملية مُعقّدة وتحتاج إلى امكانات كبيرة وكفاءات عالية. ولاشك أيضا في أن العقليات السائدة في حاجة بدورها إلى مُراجعات شاملة ولا يخفى على أحد أن الأذهان أصبحت تحت سيطرة المادة وهذا ليس عيبا شرط أن لا يكون التفكير في جمع المال على حساب الأهداف الرياضية والأمجاد التي قد يُحقّقها «الكَوارجي» في البطولات الكبيرة. وأظن أن بعض لاعبينا راحوا أيضا ضحية شخصياتهم «الهشّة» والتي جعلتهم يستسلمون بسرعة قياسية أثناء تجاربهم الإحترافية في أوروبا حيث لا بقاء إلا لمن يملك عزيمة لا تلين وقدرة فائقة على تحمّل المتاعب التي قد تعترض «الكَوارجي» في جمعيات وبطولات تُنتزع فيها الأماكن انتزاعا. وهذا ما علّمتني إيّاه كافة التجارب التي خُضتها بين الأندية الأنقليزية والمنتخب الوطني والترجي قادما من قابس. في انتظار أن نسمع خبر ظهورك في «البروميارليغ» بم تَختم هذا اللّقاء؟ أتوجّه بالشكر إلى كافة المحبين والمسؤولين الذين ساندوني وحرصوا على تهنئتي بالتتويج ولابدّ من تقديم التحية أيضا للصّحافة التونسية التي احتفت بهذا النجاح من باب الإفتخار بالإطارات التونسية المُهاجرة وإيمانا منها بأن تجربتي في أنقلترا هي عيّنة حية ونموذجية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأننا نتمتّع بالكفاءة ولنا القدرة على قهر المُستحيل بفضل العزيمة القوية والعَمل الجَاد. الجعايدي في سطور من مواليد عام 1975 مدافع سابق في الملعب القابسي ثم الترجي الرياضي لعب لعدة أندية أنقليزية (بولتون - بيرمنغهام - ساوثهامبتون) تُوّج مع المنتخب بكأس إفريقيا عام 2004 يدرب حاليا شبان ساوثهامبتون تحصّل مؤخرا على بطولة أنقلترا (لأقل من 23 عاما)