إياكم ومظالم العباد؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة! وظلم العباد أن تمنعهم حقوقهم التي أوجب الله عليك أداءَها إليهم، وقد يكون ذلك بالحال فيما تراه عليه من الاضطرار وأنت قادرٌ واجدٌ لسَدِّ خلته، ودفع ضرورته، فيتعين عليك أن تعلم أن له بحاله حقاً في مالك؛ فإن الله ما أطلعك عليه إلا لتدفع إليه حقَّه، وإلا فأنت مسؤول. فإن لم يكن لك قدرة بما تسد خلته فاعلم أن الله ما أطلعك على حاله سدىً فاعلَمْ أنه يريد منك أن تُعينه بكلمة طيبة عند من تعلم أنه يسُدُ خلته، فإن لم تعمل فلا أقلَّ من دعوةٍ تدعو له، ولا يكون هذا إلا بعد بذل المجهود والياس حتى لا يبقى عندك إلا الدعاء. ومهما غفلت عن هذا القدر فأنت من جملة من ظلَمَ صاحب هذا الحال هذا كلُّه إن مات ذلك المحتاج من تلك الحاجة فإن لم يمُت وسدّ خلته غيرُك من المؤمنين فقد أسقط أخوك عنك هذه المطالبة من حيث لا يشعر؛ فإن المؤمن أخو المؤمن لا يُسلِمُه! وإن لم يَنوِ المعطي ذلك ولكن هكذا هو في نفس الأمر! وكذا يقبله الله. فإذا أعطيت أنت سائلاً بالحال ضرورته فانوِ في ذلك أن تنوبَ عن أخيك المؤمن الأولِ الذي حُرمه، وتجعل ذلك منه إيثاراً لجنابك عليه بذلك الخير الذي أبقاه من أجلك حتى تصيبه؛ إذ لو أعطاه اقتنع بما أعطاه، ولم تكن تجد أنت ذلك الخير.