دفع تواتر الاستقالات داخل المجالس البلدية مؤخرا وتصاعد نسقها في السياق الانتخابي إلى التساؤل حول علاقة حدوثها بالحسابات الانتخابية وحول مدى جدية تهديدها لقادم الاستحقاقات الانتخابية والمسار الانتقالي ككل. تونس-الشروق-: تواترت حالات الاستقالات المتزامنة لأغلبية أعضاء عدّة مجالس بلدية لتبلغ تسع حالات معلنة في كل من بلديات سوق الجديد والعيون وباردو وسكرة وبهرة والسرس وتيبار ونعسان وكسرى، ووقع رسميا حل مجلسين بلديين وتشير المعطيات الواردة من الكواليس عن وجود عدد مهم من البلديات تحت تهديد الصراعات الداخلية التي قد تنفجر لتتحول الى استقالات جماعية. هذا الواقع الجديد حتّم على هيئة الانتخابات مجهودا اضافيا يتزامن مع استعداداتها للانتخابات التشريعية والرئاسية وسبب لها إرهاقا وإرباكا وفقا لتصريح رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون، وتؤكد كونفدرالية البلديات وجود مسعى لضرب استقرار المجالس البلدية بطريقة ممنهجة تحت مسميات عديدة على غرار اتهام رؤساء البلديات بالتفرد بالرأي. صراع سياسي ومن جانبه يصنف الخبير في الديمقراطية المحلية محمد الضيفي في تصريحه ل«الشروق» أسباب الصراعات داخل المجالس البلدية الى صنفين ومنها ما ورد في اتهامات المستقيلين من انفراد رؤساء البلديات بالرأي وتهميش الاعضاء وسوء التصرف والمحاباة والتعامل مع المواطنين حسب الولاءات والانتماء الحزبي، وكذلك صنف ثان من الاسباب السياسية تتلخص في بروز كتل في كل البلديات تتعامل مع الشان المحلي من منطلق حزبي وفي اطار رؤى وبرامج الحزب وفي اطار تجاذبات سياسية لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطنين المحلية. ويرى محمد الضيفي أن مايجري في البلديات في علاقة وطيدة بالاستحقاق الانتخابي القادم حيث ان عديد اعضاء المجالس البلدية يفكرون في الترشح والتخلي في صورة فوزهم عن عضوية المجلس البلدي وهذا ما زاد في رأيه في درجة المنافسة بين الحساسيات التي تتكون هذه المجالس، كما أن التزكيات المطلوبة للترشح للانتخابات الرئاسية تقتضي موافقة 40 رئيس بلدية وهو المعطى الذي غذى صراعات التموقع داخل البلديات من أجل اعادة توزيع خارطة التوازنات السياسية داخلها. توظيف سياسي وبدوره قال رئيس كونفدرالية البلديات ورئيس بلدية رواد المنتمي الى حركة النهضة عدنان بوعصيدة في تصريح ل«الشروق» أن العديد من التساؤلات تبقى مبهمة وتدفع الى الحيرة ومنها لماذا برزت هذه الصراعات في هذا الوقت بالذات ؟ ومالغاية من حل مجلس بلدي ثم ترشح نفس الاعضاء في الانتخابات الجزئية الخاصة به. وأوضح محدثنا أن معظم الصراعات داخل المجالس البلدية محسوبة ومخطط لها ويدور فلكها حول حسابات سياسية صرفة تتعلق بالتموقع حتى ان تبريراتها في الغالب لا تكون متطابقة من ذلك ان يتم اتهام رئيس بلدية بالتفرد بالسلطة الادارية مثلا والتي هي اختصاصه الحصري بموجب احكام مجلة الجماعات المحلية. واضاف عدنان بوعصيدة بأن عدد من الاحزاب السياسية التي لم تشارك في الانتخابات السابقة ومنها من تشكل حديثا يساهم بشكل كبير في هذا الصراع داخل المجالس البلدية معتبرا أن اصل الصراع لا تتعلق بخدمة المواطنين بل هي موجهة اساسا الى حسابات التموقع السياسي واستعمال البلديات كجسور امنة للفوز في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. تهديد الانتخابات وفي خضم هذه الاستقالات وان تواصلت فان الهيئة المستقلة للانتخابات ستتشتت جهودها وستجد نفسها في وضعية حرجة لاسيما ماليا لذلك طالبت بتمويل جديد لمجابهة تكاليف الانتخابات الجزئية وفق تصريح محمد الضيفي. ويرى محدثنا ان تواتر الانتخابات ببعض الدوائر سيؤثر سلبا على نسبة المشاركة حيث سيتحول المواطن في الدوائر المذكورة لمكتب الاقتراع في 4 مناسبات (انتخابات جزئية وانتخابات تشريعية و2 انتخابات رئاسية)، كما أن الانتخابات الجزئية من شأنها افراز قوى جديدة قد تزيد في عدم استقرار المجالس البلدية الحالية. ويشار الى أن حديثا يُتداول في الكواليس السياسية يفيد بوجود خطة بين أطراف سياسية تسعى الى تشتيت جهود هيئة الانتخابات وارباكها من خلال تكثيف الاستقالات داخل المجالس وهو ما يفسر تلويح الهيئة أمس بإمكانية المضي في قرار تأجيل كل الانتخابات البلدية الجزئية الى حين اجراء الاستحقاقات التشريعية والرئاسية عسى أن يتم الحط من موجة الاستقالات الموجهة. في المحصلة باتت الصراعات في المجالس البلدية تهدد قادم الاستحقاقات الانتخابية ولتلافي هذا الامر الجلل يقترح أهل الخبرة في المجال ضرورة تنقيح مجلة الجماعات المحلية في سياق تثبيت الاستقرار على مجالسها، مع الاسراع في اصدار كل الاوامر التطبيقية المتعلقة بالمجلة والتي ستضبط مختلف التعاملات داخل المجالس البلدية ، علاوة على ضرورة اتخاذ قرار يقضي بتأجيل الانتخابات البلدية الجزئية الى مابعد الاستحقاقات الوطنية اذا ماتواصل هذا النزيف وبكثافة.