إقبال كبير على الرقية الشرعية حتى أضحت نوعا من أنواع التجارة الالكترونية، طب الاعشاب والحجامة عوًّضا طب الاختصاص، التنمية البشرية عوضت الاخصائي النفسي والطبيب النفساني فماهي الاسباب وماذا عن التداعيات؟ تونس- الشروق الشعوذة اصطلاحا هي الاحْتِيَالُ وَالخِدَاعُ وَإِيهَامُ النَّاسِ بأَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ المشعوذ حَقٌّ وَصَحِيحٌ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَاطِلٌ . وما يثير الانتباه هو الاساليب الجديدة التي باتت معتمدة للشعوذة واستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة لتتفشى أكثر صلب مجتمعنا خاصة خلال السنوات الاخيرة . ولوحظ تزايد كبير في عدد صفحات التواصل الاجتماعي المهتمة بالرقية الشرعية والتي تستقطب خاصة الفاشلين في أي مجال ( الدراسة والعمل والزواج ) والتداوي بالاعشاب ويوجد من يروجون لانفسهم بأنهم قادرون على معالجة العين والسحر والتابعة وايضا معالجة السرطان هذا المرض الخطير الذي أودى بحياة الملايين وعجز امام علاجه أكبر الاطباء والمختصين. ويوجد من انتصب ويعالج بما يسمى الحجامة دون رقابة وكأن المختصين في ارتفاع ضغط الدم ليست لهم القدرة على علاج الامراض بالادوية الموجودة والمعلوم أن الغارق يمسك بقشة وما أكثرهم الغرقى في يومنا هذا الذين ضاعت آمالهم وتبخرت احلامهم ولم يجدوا ملاذا غير مثل هذه الخزعبلات أسباب موضوعية يفرض السؤال نفسه لماذا يقبل التونسيون على مثل هذه الاشكال من الشعوذة الجديدة ؟ وللاجابة نجد عديد الاسباب الموضوعية . فالتونسي اليوم الذي يواجه صعوبات الحياة بمختلف أشكالها وانواعها اصبح عاجزا عن دفع فاتورة الطبيب التي بلغت 60 دينارا دون اعتبار ارتفاع اسعار الادوية وضرورة اجراء التحاليل لتشخيص المرض بدقة اي باختصار شديد كلفة العيادة الوحيدة تفوق 300دينار دون اعتبار ايضا فقدان الادوية الذي عانينا منه كثيرا ولاعزاء طبعا للمريض الذي يتجه نحو المستشفيات العمومية للعلاج ويصطدم بطوابير الانتظار وسوء الاستقبال وطول المواعيد. ومقابل هذه الصعوبات والعراقيل والضغط المادي والفكري يجد من يناديه عبر شبكات التواصل الاجتماعي او عبر بعض الفضائيات المختصة في نشر اعلاناتهم بان تعالى الينا لدينا الحل وبتكاليف اقل فيذهب الى الحجامة بعشرة دنانير ليعالج ارتفاع ضغط الدم ويذهب للرقية الشرعية ليعالج الاسهال المتكرر الخ. ومن الاسباب الموضوعية ايضا التوتر النفسي والضغط اليومي الذي يعيشه التونسيون جراء التحولات التي عرفناها في السنوات الاخيرة في المفاهيم والمرجعيات وتكاثر قوى الجذب الى الوراء وتعلق من انتخبناهم بالمال والنفوذ والفساد عوض الاصلاح وارتفاع نسبة البطالة وغلاء المعيشة فعوّض الاحباط الامل وارتفع منسوب انسداد الافق وضاعت بوصلة الجميع وفي الاثناء ظهر ما يعوض الطب النفسي ويقدم الراحة النفسية بأقل تكاليف وظهرت اختصاصات تقدم الموجات الايجابية وتعمل عن طريق المحاكاة على شحذ الهمم وتقوية العزائم لمواجهة الصعوبات وذلك عوض الاتصال باخصائي نفسي او طبيب نفساني حتى ان هذه الاختصاصات اصبحت تشكو من كثرة الدخلاء. دراسات لان مجتمعنا اصبح يعيش في عصر ماقبل العلم تحولت الشعوذة والسحر مجال اهتمام الباحثين ومنهم الدكتور سعيد الحسين عبدلي الذي كتب حول السحر في تونس من اجل المال والسلطة والجنس اصبح ملجأ للجميع وخاصة طالبي الحاجة في مجالات متعددة وهذا المؤلف الذي كان مجهودا نظريا وميدانيا طيلة سبع سنوات من البحث والتمحيص يحوم حول اشكالية مركزية الا هي الى مدى يمكن اعتبار السحر والشعوذة ظاهرة اجتماعية باعتبارها تجمع طرفين اجتماعيين المشغل والمستفيد. وبالمحصلة عدد المشعوذين في تونس بات يفوق بكثير عدد الاطباء. كما ان تواصل الضغط النفسي الذي يعيشه المواطن التونسي سيساهم في ارتفاع الظاهرة . د. محمد بن راشد أخصائي في علم الاجتماع .. عقليات وتكنولوجيا المعلومات قال الدكتور محمد بن راشد اخصائي في علم الاجتماع ل:«الشروق» متحدثا عن الشعوذة الجديدة بأن تكنولوجيا المعلومات جعلت التونسي يطلع على تجارب جديدة في ظل عدة عوامل منها المادي والروحي. ويتعلق الجانب المادي بالنظرة للمحتاج الى الطبيب النفسي التي لم تتغير. اذ مازال يعتبر ذلك المريض عقليا او على وشك الاصابة في عقله او بسبب ارتفاع عيادة الطبيب النفسي الى 80 دينارا للحصة الواحدة ويتعلق الجانب الروحي بأن المريض في حاجة الى ملجإ من همومه الكثيرة . وأضاف انه حتى الطب العام اصبح مكلفا في تونس. كما يركز على الجانب الفزيولوجي بينما معاناة المريض روحية أكثر منها مادية . وأشار الى أن الواقع المر الذي يعيشه التونسيون اليوم جعل الناس يخلقون بدائل والتي توفرت في تكنولوجيا المعلومات بسرعة الولوج اليها والانسياق وراءها بحثا عن علاج روحي لهمومه الكثيرة. والاعلام الموازي ساهم في ترسيخ هذه الظاهرة بالاشهار. وأصبح هناك من يداوي من العقم والسرطان والزواج المتأخر ويعالجها شخص واحد. والانسان يتساءل ماهي القدرات التي تخول له مداواة كل هذه الامراض؟ وهذا راجع ايضا الى ان طب الاختصاص باهظ الثمن ببلادنا والادوية لم تعد ناجعة كالسابق. حيث كانت البنسيلين والاسبرين دواء ناجعا لجميع الامراض. وخلص الى القول بأنه يوجد مناخ عام مؤثر وملائم لظهور الشعوذة في أشكال جديدة. وبخصوص التوعية بضرورة التصدي لهذه التجاوزات حفاظا على الانسان التونسي قال التوعية يمكن ان تكون عن طريق الاعلام وعن طريق المجتمع المدني وخاصة الجمعيات المهتمة بالتوعية الصحية وبحملات المداواة. وهناك جانب مهم هو التربية الصحية في المدارس الابتدائية فسابقا كانت هناك متابعة في المدارس لصحة التلاميذ و اليوم نفتقدها. وهي موجودة في كل بلدان العالم. حيث يتحول الاطباء الى المدارس الابتدائية لتوعية التلاميذ بأهمية الرعاية الصحية اضافة الى بعث نوادي مهارات الحياة. وختم بأن فقدان الطابع التضامني في المجتمع ايضا دفع الى البحث عن بدائل للمساعدة ك"العزام" والعراف.