للنَّصيحة آداب ينبغي التأدُّب بِها، ومراعاتُها، ومن أهَمِّها الإخلاص لله تعالى وذلك بأن يَقصد النَّاصِحُ بنصحه وجْهَ الله عزَّ وجلَّ لقول الله تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البينة 5) وقوله تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصا لَهُ الدِّينَ﴾ (الزمر 2) وينبغي للناصح أن يتحلَّى بالرفق واللِّين متبعا وصيا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيث قال: «ما كان الرِّفقُ في شيء إلاَّ زانه، وما نزع من شيء إلاَّ شأنه». (رواه مسلم) وقد نفى الله عن نبيِّه الغلظةَ والشِّدة، فقال ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران 159) وقد ذَهَب بعضُ العلماء إلى وجوب الرِّفق في النَّصيحة؛ قال الغزاليُّ رحمه الله: ويدلُّك على وجوب الرِّفق ما استَدلَّ به المأمونُ إذْ وعظه واعظٌ، وعنَّف له في القول، فقال: يا رجل ارفق فقد بعَث اللهُ مَن هو خيرٌ منك إلى من هو شَرٌّ منِّي، وأمره بالرِّفق؛ قال تعالى ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلا لَيِّنا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه 44) فلْيَكن اقتداءُ المُحتسب في الرِّفق بالأنبياء - عليهم الصَّلاة والسَّلام. ومن آداب النصيحة أن تكون سرّا لأنَّ النُّصح أمام الناس يولِّد ردودَ أفعال، ورُبَّما لا تقبل النَّصيحة، بل يزداد الأمر سوءا ولذلك فقد كان سلَفُنا الصالح رضوان الله عليهم يَحرصون على النُّصح سرّا؛ قال بعضهم: من وعَظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومَن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبَّخَه. وقال الفُضيل بن عياض رحمه الله: المؤمن يَستر ويَنصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر. ولله دَرُّ الشافعي رحمه الله إذا يقول: من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه وزانَه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. وسُئِل ابن عبَّاس رضي الله عنهما عن أمر السُّلطان بالمعروف، ونَهيه عن المُنكَر، فقال: إنْ كنتَ فاعلا ولا بدَّ، ففيما بينك وبينه. وقال ابنُ حزم: وإذا نصحْتَ فانصح سرّا لا جهرا، وبتعريضٍ لا تصريح، إلاَّ أنْ لا يَفهمَ المنصوحُ تعريضَك، فلا بدَّ من التصريح. وقد قال الله تعالى لإمام النَّاصحين عليه الصَّلاة والسَّلام ﴿وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغا﴾ (النساء 63) أيْ: وانصَحْهم فيما بينك وبينهم بكلامٍ بليغ، رادعٍ لهم. فعلى النَّاصح أن يكون فَطِنا لبيبا في اختيار الأحوال والأزمنة المُناسبة، وعليه أن يقتنص الفُرَص السَّانحة، فاختيار الحال والزَّمان المناسب من أكبر الأسباب لقبول النَّصيحة، قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: إنَّ للقلوب شهوة وإقبالا، وفترة وإدبارا، فخُذوها عند شهوتِها وإقبالِها، وذَرُوها عند فترتها وإدبارها، فهنيئا لذلك الداعية الذي يَعرف متى تُدْبِر القلوب ومتى تُقْبِل، فيُحسِن الإنكار، ويُجيد مُخاطبة القلوب. وقد كان النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتخوَّل أصحابَه بالموعظة أحيانا؛ مَخافة السَّآمة عليهم.