إذا أردتَ أن تكون نصيحتُك مقبولةً ونافعة، وتؤتي ثِمارَها، فعليك بالتأدُّب بآدابها، والتثبُّت والتأكُّد من أن الشخص المرادَ نُصْحُه قد وقع منه الخطأ والزَّلل فعلاً. وأن يكون الناصح عاملاً بِما يأمر الناسَ به، وتاركًا لِما يَنهى الناسَ عنه، قال أبو بكر الآجُرِّي رحمه الله: ولا يكون ناصحًا لله ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم إلاَّ مَن بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهدَ في طلب العلم والفقه؛ لِيَعرف به ما يجب عليه، ويَعلم عداوة الشَّيطان له، وكيف الحذَرُ منه، ويعلم قبيحَ ما تَميل إليه النَّفسُ؛ حتَّى يُخالفها بعِلم. وقد وبَّخ اللهُ تعالى بني إسرائيلَ على تناقُضِ أقوالِهم مع أفعالهم، فقال {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (البقرة 44) وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: يُؤتَى بالرَّجُل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابُ بطنه، فيدور بِها كما يدور الحمار في الرَّحى، فيجتمع إليه أهلُ النار، فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألَم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: بلى، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأَنْهى عن المنكر وآتيه. (رواه مسلم) ومن العوامل المؤثِّرة في قبولِ النصيحة إشعار المنصوح بالشَّفقة والمحبَّة، فذلك هَدْيُ الأنبياء عليهم السَّلام فقد كانوا يقولون لأقوامهم {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (الأعراف 68) ويدخل في ذلك: الابتسامةُ الصَّادقة في وجه المنصوح قبل نصيحته، والكلمةُ الطيبة، والثَّناءُ عليه، وتعديدُ مَحامدِه، أو الهديَّة. و من أهمّ هذه العوامل إنزال الناس منازِلَهم، وذلك باتِّخاذ الأسلوب المناسب معهم، فكما هو معلومٌ أنَّ الناس ليسوا على درجةٍ واحدة، بل هم درجاتٌ متفاوتة، فيتَّخِذ مع كلِّ واحد أسلوبًا يناسبه؛ فإمام المسلمين يسلك في نصحه أسلوبًا مناسِبًا لمقامه، والعالِمُ يَسلك في نصحه أسلوبًا يناسبه، والأب والأم يتَّخذ معهما أسلوبًا يناسبهما ويليق بِهما، والجاهل يتخذ معه أسلوبًا يفيده، والمعانِد يتخذ معه أسلوبًا يليق به... وهكذا. إنّ النصيحة قد تكون في أغلب الأحيان مقبولة حين تتوفّر فيها المصداقيَّة قال تعالى حاكيًا عن فرعون أنَّه قال لقومه {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر 29) فظاهِرُ قوله أنَّه صادقٌ في نصح قومه، وأنَّه يرشِدُهم إلى ما فيه نفعُهم! ولكنَّه في الحقيقة كاذبٌ دجَّال حالُه كحال إبليس اللَّعين حينما قال لأبينا آدمَ وأُمِّنا حوَّاء {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} (الأعراف 21) وهو أكذب الكاذبين. وتظهر المصداقية في الرجل المؤمن من قوم فرعون حين قال لقومه {يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار } (غافر 38) فهذه جملةٌ من العوامل المفيدة والنافعة، والمؤثِّرة في قبول المنصوح لنصيحة النَّاصح.