النصيحة أنَّها فرضُ كفايةٍ إذا قام بها مَن يكفي سقط الإثْمُ عن الآخر، وتكون فرضَ عينٍ في الأحوال التالية: إذا طلَبَها منك أخوك المسلم لِحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «حَقُّ المسلم على المسلم ستٌّ، قيل: ما هُنَّ يا رسول الله؟ قال: إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصحك فانصَح له، وإذا عطس فحَمِد الله فشمِّتْه، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعه». (رواه مسلم) قوله: وإذا استنصَحَك. أي: طلب منك النَّصيحةَ، فانصَحْه. وهذا دليلٌ على وجوب نصيحة مَن يستنصِحُه، وعدم الغشِّ له. وتكون النّصيحة عند رؤية المُنكَر الذي سكت عنه النَّاس، وعلمته أنت بحيث لا يترتَّبُ على إنكارِه مُنكَرٌ أكبَرُ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيِّره بيده، فإنْ لَم يستطع فبلسانه، فإن لَم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان. (رواه مسلمٌ) وقوله: فليغيِّرْه. هذا أمرٌ، والأمر دليل على الوجوب، فمن رأى منكرًا، وكان قادِرًا على تغييره وجب عليه إنكارُه. و عند عِلْم الإنسان بالخطَر الذي لا يَعْلمه غيرُه، ولا يتفطَّن له إلاَّ هو، ويعني ذلك أنَّه إن كان لا يعرف هذا المنكرَ إلاَّ هو، فهنا وجب عليه النُّصح وجوبًا عينيًّا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (المائدة 67) ولَمَّا كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو وحده من البشَرِ الذي يَعلم هذا الخير؛ تعيَّن عليه بلاغُه، قال الإمام النوويُّ رحمه الله: قد يتعيَّن أيِ: الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر كما إذا كان في موضعٍ لا يَعلم به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّن من إزالته إلاَّ هو، وكمن يرى زوجتَه أو ولده أو غلامه على منكرٍ أو تقصير في المعروف. ولقد ذكر العلماءُ رحمهم الله شروطًا في حقِّ الناصح وفي حقِّ المنصوح، ومن هذه الشُّروط الإسلام: الأصل في النَّاصح أن يكون مسلمًا، عالِمًا بِما يَنصح به، وعمَّا ينهى عنه، وأمَّا بالنسبة للمنصوح، فيرى بعضُ العلماء أنَّه لا بد أن يكون مسلِمًا. قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس على المسلم نصحُ الذمِّي. واستدَلُّوا بحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه الذي فيه: والنُّصح لكلِّ مسلم. (رواه البخاريُّ). وذهب ابنُ حجر رحمه الله إلى عدم اشتراطِ الإسلام، وأن التقيُّد بالإسلام للأغلب؛ حيثُ قال: والتقيُّد بالمسلم للأغلب، وإلاَّ فالنُّصح للكافر معتبَرٌ بأن يُدعَى إلى الإسلام، ويُشار عليه بالصَّواب. كما يشترط في الناصح البلوغ والعقل لأنَّ البلوغ والعقل مناط التَّكليف، و قد رفع الإثم والحرج عن ثلاثةٍ؛ كما قال النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «رُفِعَ القلم عن ثلاثةٍ: الصبِي حتَّى يحتلم...» (رواه أبو داود وابن ماجه، وصحَّحه الألبانِيُّ في صحيح ابن ماجه).