تتعطل لغة الحوار وينقسم القوم الى قسمين: قسم يحارب مع علي وهم إجمالا من أهل العراق وقسم في صف عائشة وطلحة والزبير وهم إجمالا من الشام. والأكيد ان أسباب هذه الحرب ليست سياسية صرفة ولا هي تندرج في إطار منازعة علي على الخلافة، بل إن مطلب الثأر من قتلة عثمان يحتل مكانة متقدمة في تحديد موقف المنتمين في الحرب الى صف علي أو الى صف خصومه... وقد شهدت المواجهات أوجها في واقعة الجمل عندما ضيّق جيش علي على خصومه ما دفع حلفاء عائشة الى ابتكار حيلة احتمائها بالهودج لثني جيش علي عن استهداف الجمل الذي يحمل هودجها... وقد استغلت السيدة عائشة وجودها على الجمل لتواصل في تحريض اتباعها على حمايتها فكانوا يتقدمون حولها والنبال تنهال عليهم من جيش علي الى أن قال الإمام علي أعقروا الجمل فإن في بقائه فناء للعرب. ومضت الأمور سجالا ورؤوس المسلمين تتطاير من هذا الصف وذاك وتقول الروايات ان ما بين 10 وعشرين ألفا هلكوا في ظرف ستة أشهر من الفريقين، وهو ما فسح المجال لدخول أهل الكيد والتآمر على الخط لتأتي حكاية رفع المصاحف لإيقاف الحرب والدخول في مرحلة تحكيم بين علي ومعاوية... وقد جرت وقتها ألاعيب كثيرة على مستوى اختيار المحكّمين بحيث تم اختيار عمرو بن العاص من قبل معاوية وأبو موسى الاشعري من قبل علي مع أن هذا الأخير قد خذّل الناس عن علي في الكوفة بما يشي بانحيازه الى صف معاوية وبالفعل فقد «أكره» الإمام على قبول الحكومة وما نصت عليه الصحيفة التي صاغها الطرفان من باب الحرص على حقن دماء المسلمين... وتبلغ المكيدة ذروتها من قبل صف معاوية باتفاق الفريقين على خلع علي ومعاوية في نفس الوقت وإعادة الأمر الى المسلمين يختارون من يتولى أمرهم... وبمجرد أن أعلن أبو موسى خلع علي قام عمرو بن العاص فقال: إن هذا قد خلع صاحبه وأنا أخلعه مثله ولكني أثبّت صاحبي». غضب الإمام للخدعة وجمع أنصاره وهم الأغلبية ليتجه الى الشام لكن الخوارج أفسدوا الخطة كلها برفضهم الخروج الى معاوية فرفض وقالوا له انك لا تقاتل لله ولكن تقاتل لنفسك.. والتقى الجموع في النهروان ليصطدم أهل الكوفة بأهل الكوفة وأهل البصرة بأهل البصرة.. وهو ما وفّر فسحة لجيش معاوية الذي مكث في الشام بعد أن علم بأمر علي مع الخوارج. أبلى جيش علي بلاء حسنا في النهروان في مقاتلة الخوارج. وقتل منهم أعدادا كبيرة ما جعلهم يميلون الى مهادنته والعمل على التحشيد ضده وإعداد العدة للثأر منه، بل ان قادتهم اجتمعوا سرّا وقرروا ارسال 3 أشخاص لقتل علي ومعاوية وعمر بن العاص ولم ينجح من الثلاثة إلا عبد الرحمان بن ملجم المكلف بالتربص للإمام علي وقتله. وبالفعل فقد كمن له ذات يوم وكان خارجا الى صلاة الفجر في مسجد الكوفة فضربه على رأسه وابتلت لحيته رضي الله عنه بالدماء تحقيقا لنبوءة النبي الذي سبق وأخبره بذلك ليصرخ الإمام عند تلقيه ضربة السيف «فزت وربّ الكعبة». وكانت وفاته رضي الله عنه في سنة أربعين للهجرة. ويروي المؤرخون ان آخر كلام سمع من الإمام قبل موته هو قوله: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره». فهل يتّعظ القوم بهذه الموعظة الاخيرة التي اطلقها الامام وهو يودع هذه الدنيا الفانية.