لان قطاع النقل يعتبر من القطاعات الحيوية بما أنه يمثل شريان الاقتصاد الرئيسي وله علاقة مباشرة بقدرة المواطن على البذل والعطاء في العمل او على التعامل بأريحية مع عائلته ومحيطه عند عودته من العمل وقيامه بدوره الاسري في افضل الظروف وهو ما يعني ان النقل له تاثير على الاقتصاد وعلى الوضع الاجتماعي ويهم الحياة اليومية للمواطن كما ان عائدات النقل تعتبر مهمة اذ تبلغ ما نسبته 7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ويمثل 12 بالمائة من نسبة الاستثمارات. ولكل تلك الاهمية لقطاع النقل انعقد مؤخرا الحوار الوطني حول النقل والذي كان عصارة مجموعة من الحوارات على المستوى الجهوي تناولت مشاكل النقل في تونس وكيفية الرقي به وقد أكد وزير النقل انه تمّ رصد جميع التشكيات ومشاكل قطاع النقل في كل الجهات خلال الحوارات الجهوية كما تم طرح توصيات في الغرض حول ميناء رادس وميناء النفيضة مشيرا أنهم بصدد استكمال طلب العروض واكد الوزير أن إشكال الخطوط التونسية سيقع تجاوزه في غضون شهر من خلال إجراءات عاجلة إضافة لتجهيز أراض لإنجاز مشاريع. شتان بين الحقيقة والخيال كل هذا الكلام يجعلنا نطرح سؤالين اما ان الوزير يتحدث عن بلاد اخرى غير تونس واما ان الحوار كغيره من الحوارات هو فتح للابواب المفتوحة وانه استثمار في الوعود و»كلام ليل» لا غير .. لان نبرة التفاؤل العالية في كلام الوزير لا علاقة لها بالواقع المعيش في هذا القطاع الحساس فحلّ كل مشاكل النقل جهويا ووطنيا يحتاج الى «مال قارون» خاصة في ظل استفحال عجز كل شركات النقل بمختلف انواعها وان افترضنا توفر الاموال فان عقليات بعض العاملين في قطاع النقل لا علاقة باي مساع تطويرية للقطاع ولو اجرت احدى مؤسسات الاحصاء بحثا ميدانيا حول الوقت الذي يقضيه المواطن في انتظار أي وسيلة نقل فستجد انه يقرب ثلث عمر المواطن اضافة الى تخلف الصيانة والفساد المستشري الذي جعل قطع الغيار اما منعدمة او فاسدة وهو ما تعكسه حوادث القطارات المتكررة اما النقالة الجوية الوطنية فان مساع ادارتها لتحسين عملها والترفيع في مؤشراتها لإنقاذها من الافلاس تقابلها جهود جبارة من النقابات لإفساد أي مخطط انقاذي للشركة ما يطرح التساؤل حول اسباب هذا التضارب في التوجهات بين ادارة الخطوط التونسية ونقاباتها وعمالها بمختلف رتبهم ومستوياتهم ويبدو ان الغلبة للطرف الثاني لان «الغزالة» محاصرة بالمشاكل المالية والافلاس يتهددها ولا قدرة لإدارتها على تحسين ادائها الا بالاقتراض وتأخر مواعيد السفرات الداخلية والخارجية جعل سمعتها في الحضيض دون ان يرف جفن للمتسببين في ما يحدث للناقلة الوطنية من متاعب ويكفي ان نقوم بمقارنة سريعة بين الخطوط التونسية والخطوط الملكية المغربية لنكتشف اسباب تراجع «غزالتنا» وانتعاش نظيرتها المغربية التي تملك 58 طائرة وتصل الى 104 وجهات ويبلغ عدد عمالها 3220 عامل فقط اما الخطوط التونسية فتملك 28 طائرة ويصل عدد وجهاتها الى 40 فقط في حين وهنا مكن الخلل يبلغ عدد عمالها 7800 عامل. أي حلّ لعجز مستفحل؟ الغريب ان الحوار الوطني حول النقل حصر المشاكل في تواتر وسائل النقل والعمل على تسريع سرعته وايضا توفير الامن داخل وسائل النقل وهذان الامران وان كانا من الاهمية بمكان فان المواطن لن يصدق ان تواتر وسائل النقل سيتحسن لان الاسطول متقادم وكل همه ان يصل صباحا الى مقر عمله في الوقت وان يعود مساء الى بيته ليرتاح حتى وان شحن شحنا في الحافلة او في عربة الميترو وحتى يصدق المواطن انه بالإمكان تحسين سرعة تواتر وسائل النقل يجب تقديم استراتيجيات واضحة واهمها تمويلات متأكدة لن تتوفر لان عجز مؤسسات النقل العمومية وصل الى ما يقارب عن 1800 مليون دينار وتتدخل الدولة لإسنادها حتى لا تتهاوى بمبالغ سنوية لا تقل عن 1000 مليون دينار كما ان 20 مؤسسة نقل عمومي من أصل 26 مهددة بالإفلاس و تمثل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة ولا امل في انقاذها. بين ارقام سلط الاشراف والتي تشكل اشارة حمراء تدفع الى ضرورة التحرك بقوة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي وبين كلام المسؤولين في مثل هذه المناسبات الحوارية بون شاسع يؤكد ان الرغبة في الاصلاح غير موجودة اصلا وان الوزراء والمسؤولين مغرمين بصياغة الخطب «الانشائية» لغايات انتخابية او للحفاظ على المنصب وتجنب اثارة غضب «اللوبيات» المتمعشة من قطاع النقل ولا ينتابهم أي قلق حتى وان كانت حياة التونسيين يترصدها الخطر في قطارات تعاقدت مع الحوادث او في حافلات متهالكة ولا يهمه ان تتضرر سمعة البلاد من خلال التأخر المتواتر في رحلات الخطوط التونسية وان عجزت على المنافسة في عصر السماوات المفتوحة ولم تقم بدورها في رفد السياحة وانعاشها. ان الحل لكل مشاكل قطاع النقل لا يخرج عن اطار فرض القانون وبصرامة امام العابثين مهما كانت صفاتهم ومهامهم .. هذا اولا اما ثانيا فانه لا بد من السعي الى اشراك القطاع الخاص في النهوض بقدرات شركات النقل بمختلف انواعها في اطار شراكة بين القطاعين العام والخاص والا فان هذه الايام الحوارية لا تعدو ان تكون الا عملية فتح للأبواب المفتوحة واهدار للطاقات والقدرات واضاعة للأصوات المراد تحصيلها في الانتخابات.