عارض شعار الانتخابات كثير من اعضاء الحزب ولكن صدام حسين قال لهم بوضوح : إن من سيعارض هذا الشعار الآن ويقف أمامه سوف يسحق ويسحق معه كل اتجاهنا. فالبعض يريد الانتخابات بحسن نية لأنه يود أن يعرف الخط السياسي والتنظيمي بوضوح. والبعض يريدها بالطبع غطاء للتخريب. ولكن في كل الأحوال ستتوقف النتائج على مدى ما تبذله القيادة وأنصارها من نشاط. واستقر الرأي في النهاية على أن تدعو القيادة القطرية قيادات الشعب والقيادات الأولى في الحزب، وتطرح أمامهم الصورة بتفاصيلها وبوضوح وصراحة وتقترح عليهم تشكيل لجنة من بين صفوفهم للإشراف على الانتخابات بحيث لا تجري الانتخابات إلا بعلمها ولا تصبح صحيحة إلا بعد تصديقها وكل ما يجري خلافا لذلك يعتبر كأنه لم يكن وفي هذه الحالة تعتبر القيادة القطرية منحلة الى حين إجراء الانتخابات. وعلى الرغم من أن بين أعضاء هذه القيادة إثنين من أعضاء القيادة القومية لا يجوز – طبقا للائحة الحزب – أن ينزلا إلى القاعدة ويدخلا عملية الانتخابات مرة أخرى داخل القطر العراقي. فقد أصر صدام حسين على أن الوضع لا يتحمل الآن التشبث بالشرعية التنظيمية أو القانونية و أن ما هو أهم هو وجود الحزب نفسه داخل العراق. وبعدها لم يعقد اجتماع أو ندوة أو مؤتمر لأعضاء الحزب في أي مكان أثناء عملية التحضير للانتخاب إلا وحضره صدام حسين ورغم كل ما واجهه في تلك الاجتماعات من المندوبين السوريين وأنصارهم (العراقيين) من استفزازات وتهجمات ومحاولات كريهة لكسر صلابة مواقفه فانه تحمل كل شيء بصبر غريب وأعصاب فولاذية لا تتأثر وإرادة عميقة الإيمان بالانتصار في النهاية. ولم يكن في تلك الأيام يتمتع بصحة موفورة ولا حتى صحة عادية وكان وضعه الصحي مزريا إلى حد أنه ذهب لحضور ندوة حزبية – في فترة الانتخابات – وهو يعاني التهابا حادا في معدته حتى أنه تصور نفسه قد أصيب بالكوليرا التي كانت منتشرة أيامها في العراق. وأصر على أن يحمله رفاقه ويضعوه في السيارة وينقلوه إلى بيت صلاح عمر العلي. حيث كانت تعقد الندوة فيبقى ممددا على الأريكة فإذا وجد القوة في نفسه ليتكلم سوف يفعل وإلا ليسمع على الأقل ولكنه عندما وصل إلى هناك ووجد نفسه وسط حميه النقاش انبثقت في نفسه قوة داخلية غريبة فظل يتكلم حتى انتهى الاجتماع وحقق نتائجه المرجوة.ووصلت الانتخابات إلى النقطة الحاسمة: فرع بغداد وجاءت النتيجة معاكسة تماما لما كان يريده المندوبون السوريون انتخبت القائمة التي تدين بالولاء للتيار الذي يمثله صدام حسين فخرج المندوب السوري منزعجا ولكنه لم يملك إلا أن يقول لصدام: والله يا عمي أنتم الرجال...فردها له صدام بأحسن منها وقال له: أبو رياض..(هكذا كان اسمه) (إحنا رجال للحزب وليس على الحزب.) وكان لابد أن ينعقد بعدها المؤتمر القطري لانتخاب القيادة القطرية الجديدة. وتم عقد المؤتمر في بيت (عبد الرحمن سهيل) في منطقة أبي غريب ليلا. وتولى صدام حسين رئاسة المؤتمر وإدارة المناقشات والإشراف على إجراء الانتخابات. ومن بين أعضاء المؤتمر كان ثمة مجموعة من المتأثرين بقيادة الانقلاب السوري والمتفقين مع خطهم. ولم يكن قد حدث انشقاق رسمي بعد، بين التنظيم في العراق ونظيره في سوريا جرت مناقشات واسعة حول حضور أو عدم حضور (المؤتمر القومي) الذي يريد السوريون عقده الآن. واتفق على أن يذهب المندوبون العراقيون ويطرحوا وجهة نظرهم بعقد مؤتمر قومي استثنائي تحضره الأطراف المتنازعة كلها ليقول كلمته في كل شيء. والواقع أن التيار الذي كان يمثله صدام حسين والذي صار عبر عملية الانتخابات تيارا غالبا كان يريد أن يكسب بهذا الاقتراح فسحة من الزمن، لا أكثر. فلقد كانت لديه قناعة بأن الانتخابات التي جرت لا ترضي السوريين والقياديين الذين انتخبوا لا يحظون بموافقتهم. وأغلب الظن أن القيادة السورية التي تدعي شرعية تمثيل القيادة القومية سوف لن تجد أمامها حلا يتوافق معها سوى حل هذه القيادات المنتخبة وتعيين بديل عنها ترضى به وعنه. (يتبع)