كان المفترض أن لجنة قيادة التنظيم، تخضع لإشراف أحمد حسن البكر وصدام حسين بوصفهما عضوين في القيادة القومية، ولقد انتخب صدام عضوا في القيادة القومية وهو داخل السجن، إذ وصلته ذات يوم رسالة من طارق عزيز – حين كان أمينا لسر القطر – يقول له فيها، إنه رُشّح في القيادة القومية، وأجاب عن الرسالة يومها قائلا له: إن مسألة القيادة ليست مسألة هيبة أو أبهة، أنا لا أفعل شيئا من أجلكم الآن كما يفعله رفيق طليق. أنا داخل السجن وإذا لم يعدمونني فلن أخرج من السجن قبل مدة طويلة. أنا لا أفيدكم في هذه الظروف. اختاروا من يفيدكم في النشاط الفعلي. ولكن اعتذاره لم يقبل، وطرح الرفاق اسمه في المؤتمر وفاز بعضوية القيادة القومية وهو وراء القضبان. لم يكن أمامه وهو يرى الوضع العام للحزب على هذه الصورة المتردية إلا أن يعمل كعادته بهمة عالية ودأب غير منقطع، وحماس لا يفتر قط. اجتمع على الفور مع عبد الخالق السامرائي وكريم الشيخلي وانتهوا إلى رأي مفاده ضرورة حل (لجنة قيادة التنظيم) وإعلان وجود (قيادة قطرية) بدون الرجوع إلى القيادة القومية التي كانت في تلك الفترة غائبة أو غير موجودة بعد انقلاب 23 فيفري 1966 في سوريا. كانت المبادرة واجبة وفضلا عن ضرورة المبادرة فإن إثنين من القيادة القومية موجودان داخل العراق، و يمكنهما أن يمثلا سلطتهما حتى تعود مرة أخرى بكاملها إلى الوجود الفعلي. وكانت القيادة القطرية الجديدة تتشكل من الرفاق الثلاثة المجتمعين، بالإضافة إلى أحمد حسن البكر الذي كان يتعذر عليه في كثير من الأحيان حضور الاجتماعات التنظيمية لشدة تركز المراقبة البوليسية عليه. وبدأت القيادة الجديدة تواجه حملة واسعة النطاق من جانب أصحاب الانقلاب السوري لشق وحدة الحزب، بعد أن بات متعذرا عليهم الاستيلاء عليه بكامله. فطرحت القيادة على الفور ضرورة عقد مؤتمر قومي استثنائي تحضره كافة الأطراف المتنازعة ويقول كلمته في تقويم تدابير القيادة .. وكانت القيادة القطرية تعرف أن هذا (المنطق المبدئي) لن يقبله القابضون على زمام الأمور في سوريا ولكن النشرة الداخلية التي حملت على صفحاتها هذا الرأي استقطب الجانب الأعظم من الكادر الحزبي، ومع ذلك لم يلق السوريون بالا للأمر وأخذوا يبعثون بمندوبيهم إلى العراق مفترضين أنهم (القيادة القومية الشرعية)، ويطلبون التعامل معهم على هذا الأساس. وكان الموقف عصيبا بحق...التنظيم الحزبي داخل العراق يكاد يلملم صفوفه المتنازعة الممزقة، ولكنه يتقدم حثيثا صوب الوحدة التنظيمية والفكرية والسلطة القائمة داخل البلاد – سلطة الأسرة العارفية (عبد السلام عارف) – تحاربه بكل وسائلها البوليسية والسلطة السورية الرسمية التي تدّعي أنها الممثل الشرعي الوحيد للقيادة القومية تنسق مع السلطة العارفية، خطط محاربته فضلا عن إنفاق أموال الدولة وتوجيه أجهزتها الإعلامية عبر حملات نفسية رهيبة ضده، متهمة إياه بالتهم التقليدية التي يصطنعها كل انقلاب : اليمينية والرجعية. استخدمت القيادة القطرية في البداية قدرا كبيرا من المرونة لكي تتمكن من رأب الصدوع داخل التنظيم الحزبي وإعادة صياغة وحدته الفكرية والنفسية ،كان الهجوم العنيف، والوصول إلى حد المواجهة الصريحة مع السوريين يعني الإسراع بعملية الانقسام داخل التنظيم. ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى تزايد ضغط السوريين وتلاحق مندوبوهم إالى العراق يحملون شعار: الانتخابات داخل التنظيم في العراق وكان صدام حسين قد توقع أن يطرح السوريون هذا الشعار وناقش الأمر مع رفيقيه في القيادة عبد الكريم الشيخلي وعبد الخالق السامرائي وكان الاجتماع بالرفيق أحمد حسن البكر صعبا لظروفه الأمنية الخاصة ولم يكن قد مضى على خروجهم من السجن سوى أربعة وخمسين يوما فحسب. يتبع