أعاد تصريح وزير الداخلية أول أمس حول «مؤسسة الوالي» ومساعديه طرح جملة من التساؤلات حول ما أصاب هذه المؤسسة الهامة من ارتباك وضعف منذ ارساء نظام اللامركزية والحكم المحلي. تونس – الشروق قال وزير الداخلية هشام الفوراتي أول أمس في تصريح بمناسبة الاحتفال بالذكرى 63 لتونسة الإدارة الجهوية، أن مؤسسة الوالي ومساعديه، من معتمدين اول وكتاب عامين للولايات والبلديات ومعتمدين وعُمد، في حاجة إلى مراجعة عميقة، حتى تواكب مختلف التوجهات والمبادئ الجديدة التي كرّسها دستور الجمهورية الثانية في مجال اللامركزية وأعلن اعداد مشروع قانون جديد للغرض. مؤسسة عريقة يتفق أغلب المراقبين في تونس أن هذه المؤسسة العريقة ( الوالي ومساعديه) التي وقع ارساؤها منذ الاستقلال لعبت دورا هاما في بناء الدولة وتنفيذ البرامج الإقتصادية والإجتماعية والخيارات الوطنية التي تبنّتها الدولة التونسية ومكّنت من تحقيق عديد المكاسب والإنجازات لفائدة البلاد، وهو ما أكده وزير الداخلية في تصريحه الاخير. غير انها باتت اليوم مهددة بفقدان دورها وصلاحياتها في ظل منظومة الحكم المحلي واللامركزية التي جاء بها دستور 2014 وتم الشروع في تطبيق المرحلة الاولى منها منذ الانتخابات البلدية في ماي 2018. ارتباك وتنازع اختصاص أدخل نظام الحكم المحلي شيئا من الارتباك على عمل الولاة والمعتمدين والعمد والكتاب العامين للولايات والبلديات خاصة في ظل بعض تنازع الاختصاص الذي أصبح يبرز بينهم وبين السلط المحلية المنتخبة (المجالس البلدية الجديدة). ومن المنتظر أن تتطور الامور سلبا في هذا المجال بعد اجراء انتخابات المجالس الجهوية (على مستوى الولاية) خاصة على مستوى العلاقة بين الوالي والمجلس الجهوي المنتخب. فالوالي – وفق التنظيم الجديد للحكم المحلي - ستُسحب منه بعض الصلاحيات على غرار رئاسة المجلس الجهوي والرقابة المسبقة على قرارات المجلس الجهوي التي كانت في النظام القديم رقابة سابقة وتمكنه من رفض بعض القرارات او الاعتراض عليها. أما الآن فستصبح له رقابة لاحقة عبر اللجوء الى المحكمة الادارية للطعن بالالغاء في قرارات المجلس الجهوي. كما أن صلاحياته وصلاحيات مساعديه بالنسبة للشأن الاقتصادي والتنموي في الجهة ستتقلص لانها ستنتقل الى المجلس الجهوي اذ ينص القانون الجديد للجماعات المحلية على ان الجهة جماعة محلية تتصرف بحرّيّة في الشؤون الجهوية وتعمل في نطاق دائرتها على تحقيق التنمية الشاملة والمتضامنة والتكامل بين المشاريع التنموية والمرافق العامّة ودعمها وتعزيزها. بينما كان ينص القانون السابق على ان «الوالي مسؤول عن تنفيذ السياسة القومية للتنمية على الصعيد الجهوي ويدرس ويقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الاقتصادية الاجتماعية لدائرة ولايته». وكل ذلك أدى، بعد الانتخابات البلدية، إلى بروز بعض التنازع في الاختصاص وفي الصلاحيات بين مكونات مؤسسة الوالي من جهة والمجالس البلدية المنتخبة من جهة أخرى. تعطيلات ومخاوف هذه التقلبات أصبحت حسب عديد الملاحظين تتسبب في الحاق مضرة بمصالح الدولة في الجهة وأيضا بمصالح الناس وبالشأن التنموي والاقتصادي في الجهات، وذلك خاصة من حيث التعطيلات. ومن جهة اخرى فان المنظومة الجديدة للحكم المحلي وما تضمنته من تقليص لاختصاصات الوالي جعلت المخاوف قائمة من أن يتأثر بذلك الوضع الامني والتنموي في البلاد خاصة أن الوالي يتمتع وفق النظام السابق بصلاحيات هامة في هذين المجالين. وعلى صعيد آخر أصبحت مؤسسة الوالي والاسلاك التابعة لها تشتكي أيضا من ضعف وهشاشة أنظمتها القانونية والمهنية لا سيما من حيث الترقيات والأجور والاستقرار المهني وهو ما أثر سلبا على أدائها خاصة في السنوات الاخيرة التي تمت فيها تسوية عديد الوضعيات المهنية والمالية لأعوان وموظفي الدولة، وهو ما أثر سلبا على أدائها. قانون جديد ذكر وزير الداخلية ان الوزارة تولت إعداد مشروع قانون أساسي يتعلق بالتقسيم الإداري للبلاد ومبادئ تنظيم الإدارة الترابية للدولة ومن بين أبرز أهدافه توضيح علاقة مؤسسة الوالي ومساعديه بالجماعات المحلية ويبدو أن ذلك يهدف الى تفادي تنازع الاختصاص. وصرح الوزير ايضا أن مشروع القانون الجديد الذي أعدته الوزارة يهدف إلى تعزيز صلاحيات الوالي في مجال الحفاظ على الأمن العام واعتماد آليات جديدة لمتابعة نسق التنمية بجهته. وأكد أيضا أن الوزارة بصدد استكمال مشروع النظام الأساسي لسلك الولاة ومساعديهم والذي يهدف إلى تقنين المسار المهني للمنتسبين له وبيان حقوقهم وواجباتهم، بما من شأنه أن يساهم في مزيد الإرتقاء بأدائهم ويساعدهم على الإضطلاع بمسؤولياتهم على الوجه المأمول. وقال الوزير إن الهدف من هذه الاصلاحات هو تمكين الإدارة الجهوية، بمختلف مكوناتها ومصالحها من تطوير قدراتها وإضفاء مزيد من المرونة على وسائل التصرف فيها، حتى تكون أكثر نجاعة وفعالية في كسب رهان التنمية الجهوية المستدامة وتُسهم كما في السابق، في تحقيق الإزدهار الاقتصادي والاجتماعي.