ينعقد مؤتمر البحرين يومي 25 و26 من الشهر الجاري، وذلك بدعوة ورعاية أمريكية، ومشاركة دول عربية ورجال أعمال واقتصاد تحت شعار دعم الاقتصاد الفلسطيني وتحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية حسب ما تروج له الإدارة الأمريكية، مع أن هذا المؤتمر أصبحت أهدافه واضحة وأبعاده الخطيرة لا ترقى إلى الشك على القضية الفلسطينية والمنطقة العربية. إذ أنّه سيكرّس لتمرير ما أصبح يطلق عليه صفقة القرن، والالتفاف على قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني. حيث دأبت أمريكا منذ فترة على إرسال وفودها إلى الدول العربية ومن بينها المستشار السياسي للرئيس ترامب كوشنر المكلف بالملف الفلسطيني لإقناع الجهات المعنية بخطته ومشاركتها في ورشة أعمال المؤتمر. فهل من المعقول حضور مؤتمر تسعى من خلاله أمريكا الى تصفية القضية الفلسطينية؟ والبعيد والقريب يعرف أن الداعين الى هذا المؤتمر قد سبق لهم على مر عصور من الزمن الدعم المتواصل بكل الإمكانات العسكرية والسياسية والمالية لهذا الكيان الصهيوني. ولم يكن هذا الدعم بعيدا حينما أعلن ترامب أن القدس عاصمة لدولة (إسرائيل) وأن لا دولة فلسطينية. ومنذ أيام أعلن السفير الأمريكي فريدمان أنه ليس بغريب أن تضم (اسرائيل) مزيدا من أراضي الضفة الغربية إليها. إذا كيف يمكن للمشاركين في هذا المؤتمر أن يثقوا بأقوال أمريكا وأفعالها. وأهدافها أصبحت واضحة. ويبررون حضورهم بأنه من أجل فلسطين، وهم يشاهدون ما يفعله هؤلاء بالقضية الفلسطينية. فالأولى بهم أن يعقدوا مؤتمرا لوضع استراتيجية فاعلة وضاغطة لانصياع الكيان الصهيوني لحقوق هذا الشعب بدلا من حضورهم مؤتمرا يظهر في ظاهره الرحمة ويخفي في باطنه أشد العداء للقضية الفلسطينية والمنطقة العربية. وهم يدركون أن ترامب ونتنياهو يتنكران لحقوق هذا الشعب وحقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وقد طالب ترامب بشطب هذه القضية وذلك بإنهاء خدمات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التي أقرتها منظمة الأممالمتحدة عام 1949، وذلك بعدم تقديم المساعدات المالية لتسيير أعمالها وأن تتولى شؤونهم الدول المضيفة. ويتم توطينهم حيثما وجدوا. والهدف من ذلك كي لا تبقى هذه الوكالة شاهدا على نكبة فلسطين ومأساة هذا الشعب. كما أن خطورة هذا المؤتمر لا تقتصر على الجانب الفلسطيني، بل تتعداه إلى المنطقة العربية لتكريس التطبيع التدريبي. والأخطر من ذلك التطبيع الاقتصادي والسياسي وجعل بلدان المنطقة سوقا استهلاكيا للبضائع الإسرائيلية، ولأطماع أمريكا في استغلال ثرواتها ونهب مواردها والتحكم في قرارها السياسي. لقد عبر الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وقياداته السياسية عن رفض حضور هذا المؤتمر. ونبهوا إلى خطورة انعقاده. وأعلنوا رفضهم كل أموال الدنيا على أن يتنازل هذا الشعب عن حقوقه الوطنية المشروعة وعدالة قضيته بكل جوانبها. لقد ظلم هذا الشعب على مدار 71 عاما من التشرد والمعاناة. وقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن ينصفه حقوقه ويجبر الاحتلال على إنهاء احتلاله. إن ترامب لم يكن قادرا على تنفيذ خطته الإجرامية لو كان العجز العربي وهذا التشرذم غير موجودين، وإرادة الأمتين العربية والإسلامية فاعلة ومؤثرة في القرار السياسي والدولي. لقد أعرب الذين سيحضرون هذا المؤتمر أن حضورهم لا يعني الموافقة على صفقة القرن وأنهم حريصون حسب تصريحاتهم على القضية الفلسطينية، مع أنهم يعرفون أن بنود الصفقة قد بدأ تنفيذها تدريجيا. ويعلمون أن أمريكا التي وقعت على اتفاقية أوسلو في البيت الأبيض والتي أقرت مبدأ الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام قد تخلّت عن هذا الاتفاق. وقد أطاحت بمبادرة السلام العربية التي أقرها مؤتمر القمّة العربية في بيروت عام 2002. ومع كل ذلك ان هذه الأنظمة لم تستوعب الدرس وتصحح بوصلتها بالاتجاه الصحيح. وقد اعتقد ترامب وأعوانه أن الوضع الفلسطيني القائم والمناخ العربي المتردي كفيلان بقبول أية تسوية. وقد فوجئ ترامب وإدارته بموقف الشعب الفلسطيني الصلب رغم معاناته وحصاره ماليا وسياسيا وأنه قد تحول إلى قوّة منيعة ومعنوياته عالية. لا ترهبه التهديدات والضغوط من أية جهة كانت. ولا يعيق نضاله بتجفيف موارده المالية. إن الذين خططوا لصفقة القرن وعقد هذا المؤتمر اعتقدوا أنه إذا تحسن وضع الفلسطينيين اقتصاديا، سوف لا تكون هناك حاجة الى إجراء أي حل سياسي أو جغرافي للمسألة الفلسطينية. وقد نسي ترامب ونتياهو أن هذا الشعب الذي عاش مأساته منذ 71 عاما وتعود على التشرد والفقر والعوز والجوع وأكل خبزه الجاف بالزعتر والزيت، لن يعتاد يوما على الرضوخ لأية إملاءات وإغراءات ويتنازل عن ثوابته الوطنية وأراضيه المحتلة ولو قدم له ملء الدنيا ذهبا، وأن مشكلة هذا الشعب ليست مشكلة اقتصادية أو مالية، إنما مشكلته مع احتلال أرضه والتنكّر من هؤلاء الذين يدعون الحفاظ على حقوق الإنسان لحقوقه... إن العدو الصهيوني قادر على أن ينشر آلياته وقواته ويعربد بطيرانه في سماء فلسطين والأراضي المحتلة ويحاصر غزة. ولكن كل هذا لا يخيف الشعب الفلسطيني الذي تعود على التضحيات بصمود أسطوري وسلاحه إيمانه بالله وحقه في وطنه. وان تراكم نضاله يشكل للاحتلال معضلات استراتيجية وديمغرافية وسياسية. والسؤال: أليس من واجب الأمتين العربية والإسلامية أن يشكلا حائط صمود وتصد لهذه التحديات الامريكية الصهيونية وما يهدد القضية الفلسطينية والمنطقة العربية من مخاطر، وما يهدد المقدسات الإسلامية والمسيحية من هدم وتهويد...؟