التاريخ 22 جوان 2019... المكان منطقة حمراء عسكرية وجغرافيا بولاية القصرين، بيضاء فنيا وإنسانيا، الحدث «سمّاموزيكا» أو عيد الموسيقى في المركز الثقافي الجبلي بسمّامة. تونس (الشروق) 20 فنانا و10 إعلاميين، كانوا في الحافلة، لم يثنهم «الشهيلي» عن السفر إلى مدينة سبيطلة أين سيقضون ليلتهم ويكتشفون إنجازا هو الأول من نوعه في إفريقيا والعالم العربي، سمي بالمركز الثّقافي للفنون والحرف بجبل سمّامة، مركز ذاع صيته منذ أكثر من سنة، وزاره فنانون من جنسيات مختلفة، إلا أن هذا المركز المبني على «رقوبة» غير بعيد عن سفح جبل سمامة، ظل مجرد فكرة جميلة لدى عدد كبير من التونسيين، ولم تتمتع برؤيته العين المجرّدة. الرحلة إلى سمّامة، لم تخل من التشويق، «ما هو برنامج احتفالية «سمّاموزيكا»؟».. «متى تنطلق الاحتفالات؟».. «هل ستلتئم الاحتفالات ليلا خاصة وأن حرارة الطقس لا تقاوم؟».. أسئلة كثيرة من هذا القبيل طرحت في الرحلة... رحلة أبطالها من الساحة الثقافية، فنانون وإعلاميون ونجومها نجوم مسلسل «المايسترو» من المنتج رضا سلامة والمخرج الأسعد الوسلاتي مرورا بأبطال العمل غانم الزرلي وأميمة مطيمط، وزهور المديوني وفراس الجوادي وعزيز بن إبراهيم وهيثم الطبوبي وخليل بوسنية وصولا إلى النجم عاطف بن حسين الذي إلى جانب التكريم والاحتفال، هزه الحنين إلى الطفولة، وذكرياتها في مدرسة الزنايقية في نفس المنطقة تقريبا. في الرحلة أيضا تواجد فنانون تشكيليون ونجوم أعمال درامية أخرى، فعن «زنقة الباشا» حضرت السيناريست والممثلة سميرة بوعمود، وحضر الفنان والملحن الأزهر شعير، والفنانات التشكيليات صديقة كسكاس وهدى غربال وإكرام بن إبراهيم ومنى فرادي، جميعهم حضروا مكرمين، محتفى بهم ومشاركين في اللمة الفنية التي زينت المركز الثقافي الجبلي سمامة. مركز ثقافي جبلي ينبض حياة الوصول إلى النزل كان في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال، لم يكن هناك متسع من الوقت لأخذ قسط من الراحة بعد تعب السفر، «نحن بانتظاركم في المركز، لتنطلق احتفالاتنا، لا تتأخروا» هاتفنا عدنان الهلالي المدير الفني للمركز الثقافي الجبلي ومنظم تظاهرة «سمّاموزيكا»، فما كان من الجميع إلا أن وضعوا حقائبهم في النزل وعادوا إلى الحافلة لتنطلق الرحلة الفنية الموسيقية. عندما تنظر من بلور الحافلة في الطريق المؤدية من النزل بسبيطلة، إلى المركز الثقافي الجبلي بسمامة، تداهمك عديد الأسئلة، «كيف سيكون هذا المركز؟» في هذا الصمت الذي أضحت فيه أصوات سيارات الأمن والحافلة موسيقى «كورتاج بشري» في طريق تغيب فيها المساكن، أو تكاد، بينما كستها الطبيعة بأشجار الخوخ يمينا ويسارا، نصف ساعة تقريبا كانت كفيلة بالرد على أسئلتك... على «الرقوبة» على منحدر قصير يسارا تبدو ملامح احتفالات، فبمجرد نزول الضيوف من الحافلة، تقدمت نحوهم الفرقة الموسيقية لرعاة سمامة بأزيائهم التقليدية وبآلاتهم الموسيقية التقليدية أيضا «الطبلة» و»القصبة»، مرحبين بضيوف سمامة، ومصطحبينهم إلى المركز ليكتشفوا ما صنعته إرادة أبناء الجهة رغم الصعوبات المادية والإرهابية... هناك في هذا المركز تشبع العين، بهو جميل جدا مضاء بالشموع، خلفه شيدت قاعة عروض مجهزة بما أمكن من تجهيزات العرض وتكييف القاعة، وخلفها مسرح هواء طلق يطل على فزاعات حاملة لآلات موسيقية، عبارة عن منحوتات لفنانة عصامية التكوين من أبناء الجهة (زينب هلالي)، محيطة بالمركز من كل الجوانب، وكأنها (الفزاعات) تقول: «نحن من نحمي المركز» بل هي الرسالة التي أرادها المنظمون وعلى رأسهم عدنان الهلالي، وهي أيضا رسالة المسلسل المكرم، «بالفن نحمي بلادنا ومجتمعنا». موسيقى معتقة بالإكليل عندما تتجوّل بالمركز الثقافي الجبلي بسمامة، المميز بلونه الأبيض وسط المنطقة الحدودية العسكرية المصنفة بالمنطقة الحمراء، ووسط الطبيعة البرية الخضراء، تلفحك رائحة الإكليل من كل مكان، «آه ما أحلى رائحة الإكليل في قاعة العروض»، هكذا عبر كثيرون بمجرد أن وطأت أقدامهم قاعة العروض هذه، قبل أن ينتقل الجميع وينتشر على الكراسي والجلود بمسرح الهواء الطلق، فمازال هناك ما يشبع العين بصرا، وما يعطر الوجدان شما وما يمتع السمع موسيقيا. «ما أحلى الموسيقى مع رائحة الإكليل» علقت الممثلة سميرة بوعمود، وساندها في هذا القول الملحن الأزهر شعير الذي ليس غريبا عن هذا المناخ، لذلك انضم إلى البرنامج تلقائيا، حاملا عوده، ومقدما أغنية عن الوطن من تلحينه، أرفقها بأغنية «عيني يا للا» التي لحنها لنوال غشام منذ أكثر من عقد زمن... تصفيق وآهات ورقص من أهالي سمامة وضيوفها، على أنغام موسيقى الريغي مع الفنان السويسري «جينيور تشاكا»، وفنّان الفلامنكو الكتالوني «جوزاف تيرو»وفنّان الرّوك الهولندي «توم بوزوين»، ومع الموسيقى الحدودية الجزائرية في وصلة مع الفنان قدور قلاعة، بالإضافة إلى فنّان الرّاب حبيب وولف وفريق ستريت آرت لامين النجار، من سبيطلة وفريق ميعاد باند من القصرين... عروض بالجملة توسطها تكريم لفريق المايسترو وبقية الضيوف من الفنانين، ومن الأسماء التي سجلت حضورها الفنان معز المرابط الذي عبر عن سعادته بالحضور، مثمنا العمل الكبير لأبناء سمامة وخاصة عدنان الهلالي، واصفا التظاهرة بالرائعة. «سمّاموزيكا» كانت رحلة جميلة للبعض وكانت فرحة للجميع، ولو جمّعنا التصريحات عن التظاهرة وعن إنجاز المركز الثقافي الجبلي تحديدا، لكتبنا مدحيات بيد أن الثابت والأكيد من خلال هذه الزيارة أو الرحلة الفنية إلى هذا المركز تؤكد أنه متى توفرت الإرادة لدى التونسيين ولدى مثقفي ومبدعي كل جهة من جهات هذا الوطن، يصنع المستحيل، كما كان الشأن في منطقة لم تسلم من الإرهاب، فاختار أبناؤها الحرب الثقافية وكانت الفنون أسلحتهم.