قال المطرب نور الدين الباجي في حوار خاص ب «الشروق» إنه عاد إلى المشهد الموسيقي التونسي صحبة فنانين آخرين في عروض رمضانية حتى لا يتركوا الساحة فارغة معبرا عن استيائه من انحراف الذوق العام وإبراز القنوات أشباه الفنانين على حساب جيله حرصا على الربح السريع. «الشروق» مكتب الساحل: كما أبدى الباجي رأيه في ما يقدم من عروض موسيقية وصوفية واصفا إياها بالراقصة والتجارية ولا تخلو كلماتها من شرك بالله، واعتبر أن مهرجان قرطاج أصبح مرتعا لكل من هب ودب، ولم يخف في خضم كل هذا نظرة تفاؤلية جعلته يؤكد عزمه على الإنتاج ومواصلة المشوار في انتظار ما وصفه ب «يوم المُنى»: - حضورك في المشهد الموسيقي التونسي متذبذب بين الغياب والحضور هل يمكن أن نعتبر مشاركتك في «فرقة الوطن العربي للموسيقى» رجوعا من باب الموسيقي عبد الرحمان العيادي؟ نعم هي عودة، بعد الظروف التي حصلت بعد الثورة والأصوات التي تنادي بمنح فرصة للشباب فقلنا فلنترك الفرصة للشباب فقد يكون للوزارة برنامج خاص يجمع الشباب بأصحاب الخبرة ولكن حدث منعرج آخر، ورجعت من خلال المبادرة التي قام بها الموسيقي عبد الرحمان العيادي الذي جمع عدة فنانين وهناك أسماء أخرى ستلتحق بالفرقة وإحقاقا للحق «حبينا نسدوا بقعتنا الي فرغت»... أصبح هناك فراغ نتاج الاستسهال الحاصل وتهميش القيمة الحقيقية للفن، فطغى الهزل والتهريج في المشهد الموسيقي التونسي وسمعة البلاد أصبحت في الميزان وكل ذلك تحت تعلة تشجيع الشباب. فأنا لست ضد الشباب بالعكس مرحبا به وأحرص على تكوينه وتأطيره ولكن سمعة البلاد ليست لعبة، وعندما اقترح علي سي عبد الرحمان هذه اللمة الموسيقية رحبت بدعوته وسأحرص على تقديم الجديد من خلال هذه الفرقة، - من تحمله مسؤولية تراجع القيمة الفنية والفوضى الحاصلة في المشهد الموسيقي التونسي؟ «الفايسبوك» ومواقع التواصل الإجتماعي فكل شخص أصبحت له إذاعة إضافة إلى ما يسمى بنسب المشاهدة التي تحرص عليها القنوات التلفزية مما حول العملية إلى غايات مالية بحتة فما المانع من الجمع بين القيمة الفنية والغاية المالية وخلق توازن فلا يجب توجيه الناس إلى نوعية معينة وتغييب الأسماء التي تقدم فنا راقيا. لقد أصبح هناك نوعية من الشباب لا تعترف بهؤلاء فهم يجيدون السمع ولكن يريدون إزاحتنا وأن نترك لهم المشهد فالبلاد ليست لعبة فهناك من ضحى وقدم نضالات ونحن ضحينا بدورنا فليس من السهل ترك المشهد بمثل هذه الفوضى في مشهد اختلط فيه الحابل بالنابل، وفي فترة كانت لي الفرصة سانحة للهجرة والنجاح هناك خيرت البقاء في بلدي فلا مكان للحظ في ذلك، أنا الذي اخترت وقلت لماذا لا نحلم مثل الشرق الذين كان لهم فنانون كبار مثل وديع الصافي وفيروز وعبد الوهاب وغيرهم، لم لا نحن في تونس يكون لنا نفس الشيء فعلى الفنان أن يصنع نجاحه من وطنه ففي عديد البلدان فنانوها طوروا من الفن ولكن نحن «قعدنا نشلكو في بعضنا» وننقص من قيمة بعضنا البعض وننعت بعضنا بأبشع النعوت فلمصلحة من نقوم بهذا؟ هناك من يحملكم مسؤولية هذا الفراغ لأنكم تراجعتم في فترة من الفترات عن الإنتاج وعن تطوير الأغنية وتركتم الساحة لأشباه الفنانين؟ اليوم أصبح الاختيار مبنيا على ما يسمى بنجم الشباك، وهذا النجم تصنعه قنوات نسب المشاهدة والتي أقصتنا وأبرزت وجوها لا علاقة لها بالفن والكل يعرف ما تقدمه هذه القنوات من تهريج وخطاب بذيء، وما كان يقال في الأركان ويستحي قائله ان تسمعه عائلته أصبحنا نسمعه في قنواتنا علنا ويتبجحون به دون مراعاة للعائلات فقد تجاوزوا كل الحدود وهذا يرفع لهم في نسب المشاهدة حسب تقديرهم فأين تراني أكون في خضم هذه الرداءة فهل أدخل هذا المستنقع حتى لا أترك المكان فارغا؟ أتذكر كيف كان نجيب الخطاب رحمه الله يدعونا وما نقدمه في منوعته يكون حديث الناس، فنجيب الخطاب هو السبب في الشهرة التي حققناها والاسم الذي تمتعنا به وإلى اليوم هناك من يسمعنا ويقدرنا ويحترمنا والحمد لله ويدركون قيمتنا الحقيقية. - بروز نوعيات موسيقية جديدة في تونس هل ساعدت في تقديرك على تطوير الأغنية التونسية أم ساهمت في اغترابها؟ سأتحدث بكل صراحة، مثلا لو أخذنا مثال الراب فقد أتى به الجمهور الذي كان يذهب للفنانين الشرقيين حتى يملأ المسرح، لا يذهبون إلى نور الدين الباجي لأنه في متناولهم يمكن أن يسمعوه في إحدى الحفلات الخاصة أو أحد الأعراس ويستمعوا إليه مجانا ولكن الداء الحقيقي يكمن في أن المهرجانات الكبيرة الجادة غابت فيها الجديّة فأصبح أمرا عاديا أن نسمع في مسرح قرطاج أغاني من قبيل «يح باني» وغيرها... بطحاء فارغة يدخلها من يريد للعب، تحولت الحفلات من الأعراس إلى مسرح قرطاج، والقنوات التفزية والإذاعية دعمت ذلك، فقد غيبونا إلى درجة أن هناك العديد من الجيل الجديد لا يعرفنا... لقد وصلنا إلى الحضيض عكس ما يحصل في مصر فالكل يعرفون بعضهم البعض بفضل تعدد القنوات وتوازن حضور الفنانين فيها، سعدنا بتعدد القنوات في تونس وحلمنا بالحضور في برامجها من بين الذين يستضيفونهم ولكن للأسف هناك إتجاه واحد . -أنت من الأصوات النادرة التي تجيد مختلف النوعيات وقد أتقنت اللون الصوفي كيف تقيم ما يسمى بالعروض الصوفية التي كثرت هذه الفترة؟ لقد انحرفت عن مقاصدها وقيمتها فأصبحت بمثابة الشيخة البسيطة أصحابها يبحثون عن تحريك الأحزمة لا غير فحفلاتها لا تختلف عن أجواء الأعراس ومقياس نجاحهم هو مدى رقص الجمهور لا غير... هذا المفهوم المتداول فلا يفكرون في قيمة العمل المنجز الذي سيبقى للجيل القادم واللغة السائدة تكمن في القول «الجمهور يحب هكة آش يهمني فيه». - ما هي العروض الصوفية التي مستك وتراها متكاملة المواصفات؟ شوف ربي يعينهم ،شاهدت بعض الأعمال ولكن لم تصل إلى مستوى أعمال الفاضل الجزيري ، أصبحت العروض تجارية بحتة وتتضمن «كلام كالظلام» وأصبح للأسف الجمهور يغنيها مثال يا سيدة يا نغارة دبر عليا بدبارة» وغيرها فلا ندري حقيقة هذه السيدة وفي كل الحالات من يدعو يدعو الله وليس السيدة المنوبية ولا سيدي بلحسن ولا غيرهما فهناك فرق بين ذِّكر الله وبين الشرك بالله فليس بيننا وبين الله وسيط. - من يتحمل مسؤولية هذا الجمهور الذي اصبح يقبل أشباه الفنانين ويرفض الفنان الحقيقي؟ دور العائلة أصبج غائبا فتشتت الأبناء. - ألا ترى أن جيلكم أيضا يتحمل دورا في تأطير هذا الجيل الجديد وتحسيسه وتوعيته وتكوينه؟ الإعلام هو من يملك السلطة على الذوق إما يرفعه أو ينزله، للأسف الإعلام أصبح يُقاس بنسبة المشاهدة التي تجلب له الإشهار وبالتالي الربح الوفير، كل شيء أصبح يقاس بالمال دون الحرص على المضمون والرسالة الفنية والإعلامية، فالفنان دوره يكمن في تقديم البضاعة الجيدة فهو يتعب لكي يغني وما على الإعلام إلا إبراز ذلك بكل نزاهة دون حسابات ضيقة. - في خضم كل هذا هل لا تزال راغبا في الإنتاج والتجديد؟ مادمت حيا يجب أن أعمل ولازلت أنتظر يوم المُنى، فهناك فترات صعود ونزول فعندما كنت صغيرا لا أسمع في عائلتي غير أسماء عمالقة الفن في المشرق وعندما يتحدثون عن الفنان التونسي تقلّ حماستهم الشيء الذي حز في نفسي وبقي في قلبي حتى كبرت وعزمت أن أسير على خطى هؤلاء العمالقة كتونسي .