أصبح من الصعب التفريق بين عرض خاص سيحتضنه المسرح الأثري بقرطاج وعروض مهرجان قرطاج الدولي، بعد أن أضحى المسرح الروماني عبارة عن قاعة أفراح يمكن كراؤها ب70 ألف دينار. تونس (الشروق) تنطلق فعاليات الدورة 55 لأعرق مهرجاناتنا التونسية الدولية، مهرجان قرطاج الدولي يوم 11 جويلية الجاري لتتواصل إلى غاية 20 أوت 2019، لكن الجمهور بدأ خلال هذه الأيام في اقتناء تذاكر عروض ستلتئم بالمسرح الروماني، قبيل فعاليات المهرجان، فيوم 07 جويلية أي قبل انطلاق فعاليات مهرجان قرطاج يحتضن المسرح الأثري بقرطاج عرض «النوبة 2» لفاضل الجزيري، وقبله وتحديدا يوم 28 جوان يحتضن نفس المسرح عرضا للفنانة أمينة فاخت التي قدمت عرضين في السنة الفارطة على نفس الركح لكن في إطار فعاليات مهرجان قرطاج الدولي... وستكون هناك عروض أخرى قبل فترة انعقاد المهرجان وبعدها على ركح المسرح الروماني، كل ذلك سبب حالة من البلبلة فلم يعد يفرق الجمهور بين عروض المهرجان وبين العروض الخاصة، والدليل اتصال عدد كبير بالإعلاميين وبموظفين بوزارة الثقافة، لتمكينهم من دعوات وشارات دخول عروض كعرض أمينة فاخت وعرض فاضل الجزيري، وبغض النظر عن قيمة العروض الجماهيرية الخاصة وما توفره من مداخيل لمنظميها، وهذا حقهم، فإن سمعة مهرجان قرطاج تدهورت في السنوات الأخيرة بسبب تنظيم عروض تجارية نذكر منها عرض هيفاء وهبي. عروض تجارية في المهرجان وخارج إطاره، شوهت قيمة المهرجان وتاريخه، وأفقدته الرمزية التاريخية للمسرح الروماني بقرطاج، كل ذلك لغياب استراتيجية صلب وزارة الثقافة تحمي المعلم التاريخي، وتحمي أيضا رمزية وعراقة مهرجان احتفل بخمسينيته منذ 05 سنوات، وكل ذلك أيضا من أجل المال حيث تبلغ كلفة كراء المسرح الأثري بقرطاج للخواص، 70 ألف دينار، والحال أن هذا المسرح صعد على ركحه أكبر مبدعي العالم منذ تأسيس مهرجان قرطاج وحتى قبله سنة 1907 وسنة 1902. مهرجان قرطاج فقد معناه «هل مازال هناك معنى لمهرجان قرطاج الدولي وللمسرح الروماني عموما؟» سؤال طرحناه وكانت الإجابة قطعية ب»لا» من قبل الفنان المسرحي عبد العزيز المحرزي، الذي شدد على أن هذا المهرجان العريق لم يعد له أي معنى، بل وذهب إلى أن المسرح الأثري بقرطاج أصبح عبارة عن قاعة أفراح، في الوقت الذي من المفترض أن يقدم فيه ما تميز من عروض وإنتاجات فنية وطنية ودولية. واعتبر المحرزي أن البلبلة الحاصلة ببرمجة عروض خاصة قبل المهرجان وبعده لم تحدث إلا في تونس، وكان يمكن أن تبرمج العروض الخاصة بعد المهرجان حفظا لماء الوجه على حد تعبيره، وتساءل هل يحصل هذا في مهرجانات أخرى دولية كمهرجان جرش مثلا؟، وعلق محدثنا على الأمر قائلا: «مهرجان قرطاج كان بقيمته وبوهرته، وكان مرجعا، اتبعته مهرجانات كبرى في دول أخرى، لكنه اليوم أصبح «سندويتش»، جراء الشعبوية والإرتجال...». وأردف محدثنا متسائلا: «لماذا نخسر المال العام، ما دام متعهدو الحفلات يسوغون مسرح قرطاج الأثري، فلتقدمه وكالة إحياء التراث «لزمة»، مادامت السياسة الثقافية في بلادنا شعبوية، واليوم لم يعد هناك بدّ من مهرجان قرطاج، بعد أن أصبحت الثقافة والمؤسسات الثقافية في الحضيض، فلا قوانين أساسية ولا دور ثقافة مهيأة، وفي حالة أقل ما يقال عنها أنها مزرية..». وغير بعيد عن المحرزي، أكد متعهد الحفلات ناصر القرواشي أن برمجة عروض تجارية بالمسرح الروماني بقرطاج خارج إطار مهرجان قرطاج الدولي يضر بالمهرجان وببرمجته، مبرزا عراقة هذا المهرجان وصورته العالمية التي يجب الحفاظ عليها بعيدا عن الحسابات التجارية، رغم أنه كمتعهد حفلات يمكن له الاستفادة منها، لكن مهرجان قرطاج مهرجان دولي ومكسب وطني وصورة ثقافية وسياحية ناصعة عن تونس يجب المحافظة عليها وحمايتها، على حد تعبير القرواشي. قرطاج فقد معناه منذ بيع لروتانا الحديث عن مهرجان قرطاج وعن قيمته، يكتسي أكثر معنى بالعودة إلى تاريخ هذا المهرجان ولو أن المساحة لا تكفي، لكن الملحن عادل بندقة حاول اختصار هذه اللمحة التاريخية وربطها براهن هذا المهرجان فقال: «لما أسس مهرجان قرطاج، كانت له خصوصية كونه مهرجانا للجاز، ثم انفتح على أنماط موسيقية أخرى ذات «مستوى»، وأريد التذكير أنه في إطار التبادل الثقافي، كان هناك الفرق الشعبية العالمية التي قدمت أفضل ما يمكن مشاهدته ثقافيا وحضاريا، ثم انفتح المهرجان على الموسيقى الشرقية ويكفي أن نذكر أن محمد عبد المطلب غنى «الناس المغرمين» على ركح مهرجان قرطاج..» وتابع بندقة: « ثم صعود عبد القادر العسلي ومنية البجاوي في عرض ثنائي وصعود الفنان عدنان الشواشي عام 1980، وفي عام 1985 لأول مرة يكون المركز الثقافي بالبلفيدير ومديره آنذاك علي اللواتي فضاء تابعا لمهرجان قرطاج، ويصعد على ركحه فنان شاب إسمه أنور براهم، وبعد سنوات تغير مهرجان قرطاج نهائيا بعد أن بيع لروتانا...». الانتقال من الدولة الراعية إلى اقتصاد السوق ومن هذا المنطلق، اعتبر عادل بندقة ويحصل حاليا، أنه تم الانتقال من الدولة الراعية إلى اقتصاد السوق، حيث أن المبادرة الخاصة أو المال الخاص أصبح قادرا عبر بعض الجمعيات والتعاونيات على القيام بكامل العملية لإقامة حفلات على ركح المسرح الروماني، على حد تعبيره، مضيفا: «هنا لا بدّ، في ظل اختلاط الأمور، من صياغة استراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار كل هذه المتغيرات وأن تسند الإدارة لأصحاب مشاريع ورؤى جديدة، ودليلي على ما أقول أنه منذ سنوات خلت كان التوجه قائما نحو إيقاف مهرجان قرطاج لمدة معينة لإعادة النظر، على أن رأيي أنه يمكن إعادة صياغة الرؤية دون اللجوء إلى إيقاف المهرجان». وعن هذه الرؤية قدم عادل بندقة خطوطها العريضة المتمثلة في إعطاء المهرجان خصوصية وتفرد وإعطاء العروض التجارية نهائيا إلى القطاع الخاص، ومن جهة أخرى يجب أن يكون المهرجان كأي مهرجان في العالم محرّكا اقتصاديا وسياحيا بإشعاعه الإقليمي والدولي، فضلا عن تفعيل دور التعاون الدولي على المستوى الثقافي واعطائه نفسا جديدا وأفقا أرحب.. رؤية محدثنا دعمها بقوله: «عموما لا يمكن أن تكون هناك وزارة ثقافة دون بنك أفكار، وإحداث قسم بأكمله للتفكير، إذ من غير المعقول أن تكون كل الأقسام والإدارات للتنفيذ، وبالتالي يجب التفريق بين المسرح الأثري بما هو مكان وبين مهرجان قرطاج برمزيته، من صعود مريام ماكيبا إلى وديع الصافي، إلى الهادي الجويني وشبيلةراشد..».c