تطل المهرجانات الصيفية في كل موسم على جمهورها بنفس التصور والأسلوب مقابل تزايد عدد الحفلات الخاصة التي اصبحت تزاحم المهرجانات نفسها، فهي تجلب نفس الفنانين ونفس الجمهور وتحيي سهراتها في نفس مسارح المهرجانات، فهل أصبح الحل في خوصصة المهرجانات؟ تونس الشروق: ويعود بعث المهرجانات الصيفية في الواقع الى ستينيات القرن الماضي ضمن تصورات سياسية وثقافية فرضها الوضع الخاص للبلاد في ذلك الوقت، وهو ما يعني ان ذاك زمان وهذا آخر، وبالتالي تصبح المهرجانات الصيفية التي فاق عمرها الآن نصف القرن، سياسة قديمة غير مواكبة للعصر! شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا وملحوظا لعدد الحفلات الخاصة في فترة المهرجانات الصيفية حفلات تحقق نجاحا جماهيريا وفنيا فهي تجلب نفس الفنانين وتنتظم في نفس الفضاء مسرح قرطاج وينظمها عدد من متعهدي الحفلات الذين اكتسحوا الساحة الفنية وأصبح لديهم القدرة على جلب اي فنان سواء تونسي او عربي او حتى عالمي مثلهم مثل المهرجانات الكبرى على غرار قرطاج والحمامات وبنزرت وسوسة وصفاقس ... فالملاحظ ان هذه المهرجانات لم تعد قادرة على تقديم برمجة خاصة بها تميزها عن بقية التظاهرات والسهرات وحتى المهرجانات الخاصة التي أصبحت تنتظم قبل وبعد مهرجان قرطاج وفي فضاء المسرح الأثري بقرطاج على غرار فرحة تونس وغيرها ... فاليوم اختلط الثقافي بالتجاري ولم يعد هناك فرق بين المهرجانات التي بعثت من أجل التنشيط الثقافي وغيرها فالكل أصبح تجاري يقاس نجاحه بعدد جمهوره وللاسف انخرطت ايضا المهرجانات الكبرى في هذه الموجة فهي لم تعد قادرة على جلب الفنانين المبدعين ذوي الرسالة الثقافية والفنية على غرار فيروز ونجاة الصغيرة هاته الأسطورة التي قاربت الثمانين من عمرها ومازالت تنتج الأغاني وتقدم من إبداعاتها لجمهورها لم تعد الى مسرح قرطاج منذ 2001 آخر حفل لها في هذا الفضاء ... هذا المشهد الذي تعيش على وقعه المهرجانات الصيفية بات يطرح اكثر من استفهام خاصة فيما يتعلق بوزارة الثقافة التي يرى البعض انه في بسط يدها على المهرجانات عرقلة لتطورها وسقوطها المتواصل في النمطية والإستنساخ في حين ينادي البعض الآخر باستقلاليتها وتسليمها للخواص للإشراف عليها بعيدا عن وزارة الثقافة التي تبقى الداعم الرئيسي لها دون التدخل في ادارتها او برمجتها على ان يكون لها ادارة خاصة منفصلة تماما عن الوزارة، اذ يرى عدد من النقاد ان تجربة المهرجانات في تونس تجربة قديمة بقيت على حالها ولم تتطور بل انها بدأت رويدا رويدا تفقد خصوصيتها ورغم كثرة عددها فهي تتعامل تقريبا مع نفس الوجوه فالفنان الواحد يجوب كل المهرجانات فلا فرق بين الحمامات وقرطاج والجم من جهة وبين المهرجانات الخاصة التي أصبحت تنتظم على مدار السنة... وباعتبار ان منظمي الحفلات الخاصة حققوا نجاحات فنية وجماهيرية تحسب لهم عامل آخر شجع على دفع هذه المهرجانات نحو الخوصصة خاصة وان اغلبها اصبح تجاري الغاية منه جني المرابيح بعيدا عن أي مشروع ثقافي في المقابل تستغل هذه الميزانيات المرصودة للمهرجانات لخدمة الثقافة كتهيئة دور الثقافة والشباب في الجهات ودعم المشاريع الثقافية وانتهاج سياسة ثقافية ترفيهية... ترشيد المهرجانات في هذا الصدد يقول مدير مهرجان بوقرنين السابق نوفل بن عيسى «الوزارة مجبرة على تنظيم المهرجانات باعتبار ان البلديات لا تملك الموارد الكافية لتنظيمها في نفس الوقت وزارة الثقافة لم تعترض يوما على إنشاء هذه المهرجانات الخاصة والدليل انها بدأت تتكاثر واليوم اصبحنا نتحدث عن مهرجانات وحفلات خاصة ولنا في عرض أمينة فاخت خير دليل على ذلك فبمجرد انها لم تتفق مع هيئة مهرجان قرطاج ارتأى منظم حفلات الى تنظيم سهرة خاصة بها...» يضيف بن عيسى «المشكل الحقيقي هو ان المهرجانات التي لها دور ثقافي اصبح لها غايات تجارية على غرار المهرجانات الخاصة في حين أن من واجبها دعم البعد الثقافي والإرتقاء بالذوق العام وهذا ما عجزت عنه هذه المهرجانات لانها لم تعد قادرة على الإرتقاء بمستوى البرمجة ...» نوفل بن عيسى يقول ايضا «اصبحنا نتأسف اليوم على مهرجاناتنا الكبرى فالمهرجانات العمومية الدولية أصبحت تسطو على أفكار المهرجانات الخاصة حتى ان هشام رستم لام مختار الرصاع على برمجته لبعض عروضه الروحانية ...و بالتالي اصبحنا نتحدث عن نفس البضاعة التي تروج في الخاص والعمومي وما يمكن التأكيد عليه لابد ان تحدد المهرجانات الوطنية توجهها وتترك الخاص لأصحابه لذلك على الدولة ان تدعم المهرجانات تنظيميا وعلى مستوى الاستثمار... ويجب ان يكون الربح ثقافيا بحت لا ماديا ... «يؤكد محدثنا» انا مع ترشيد المهرجانات لا خوصصتها يعني انه عندما يتم تنظيم مهرجان قرطاج لا مجال لبرمجة فناني الكباريهات فهؤلاء من نصيب متعهدي الحفلات ولابد ايضا من التفريق بين الترفيهي والتثقيفي...» دعم المهرجانات من جهته يقول المسرحي منير العرقي «الإشكال ليس في ان ترفع الوزارة يدها عن المهرجانات هذا غير ممكن فهي الداعم للثقافة وللترفيه في البلاد ولا يمكن تسليم هذه المهرجانات للخواص لان لديها تظاهراتها بل ان المعضلة انها هي وحدها الداعمة للمهرجانات فمن غير المعقول ايضا تمكين المهرجانات الكبرى من العروض المدعومة والتغافل عن المهرجانات الصغرى... يؤكد منير العرقي «الأهم من ذلك هو ان تهتم المجالس الجهوية بتنظيم مهرجاناتها مثلما تهتم باحتفالات الأعياد الوطنية ... ولابد من تكوين مديري المهرجانات حتى يتمكنوا من خلق تصور جديد يقطع مع النمطية والتكرار وبالتالي يستجيب المهرجان لطلعات الجمهور وان يكون البرنامج له خصوصية الجهة ويعبر عن طموحات أهلها...»