نفت الدكتورة سنية بن الشيخ وزيرة الصحة والرياضة وجود أي توجه نحو التخلّي عن الدور المرجعي للمستشفى العمومي وأعلنت في حوار حصري وشامل مع الشروق على حزمة من التدابير الجديدة لمعالجة تراكمات السنوات الأخيرة منها انتداب 2000 من الممرضين والعملة وترك مناظرة انتداب أطباء الاختصاص دون سقف إلى جانب توسيع طاقة استيعاب مناظرة الإقامة في الطب. وكشفت من جهة أخرى عن مخطط لاقتحام مجال تصنيع أدوية الأمراض الخطيرة مثل السرطان مشيرة إلى تحسن ملحوظ لمخزونات الأدوية بعد استئناف المستشفيات خلاص مستحقات الصيدلية المركزية. كما أشارت إلى حزمة من الاجراءات لتقوية الخط الصحي الأول من خلال هيكلة جديدة لمراكز الصحة الأساسية تؤمن حدا أدنى من الاختصاصات الطبية. تونس الشروق: الحوار الذي أتى أيضا على الملف الرياضي وخاصة حظوظ المنتخب في «الكان» وتطورات النزاع مع «الكاف».. بدأ بهذا السؤال: لنبدأ بآخر المستجدات وأعني حادثة وفاة الرضع في نابل هل اتخذتم التدابير اللازمة لمنع تكرّر مثل هذه الحوادث الأليمة؟ نحن بصدد استكمال تقارير مفصلة حالة بحالة تشمل كل الجزئيات بما في ذلك الوضع الصحي للأمهات وفي ضوء هذه التقارير سنتخذ التدابير اللازمة علما وأننا بمناسبة المجلس الجهوي للصحة بنابل الملتئم منذ 27 ماي الفارط كنا ناقشنا كل النقائص الموجودة في هذه الجهة ورصدنا الاعتمادات اللازمة لإصلاحها بما في ذلك مشكل تواتر انقطاع التيار الكهربائي ومن ثمة لا يوجد أي مبرر لتواصل هذه النقائص لكن ينبغي التذكير بأن وفاة ولدان بتلك الخصوصية يمكن أن يحدث. لكن بقطع النظر عن هذه الحوادث أفرزت الأعوام الأخيرة هواجس فعلية من أن الدولة قد تخلت عن الدور المرجعي للقطاع العام.. كيف تواجهين هذا التشخيص؟ على العكس تماما فكل ما يحصل اليوم يؤكد سعي الحكومة إلى تدعيم الدور المرجعي للمستشفى العمومي حيث تقدمنا بشكل ملحوظ في تنفيذ حزمة القرارات العاجلة التي أفضى إليها المجلس الوزاري الملتئم في 28 مارس الفارط فيما سيفضي الحوار المجتمعي حول الصحة الذي أدرك أمس الخميس مرحلته الثانية إلى ضبط التوجهات على المدى المتوسط والبعيد.. كما أنه من الناحية العملية لا يمكن الحديث عن تفويت في مرجعية القطاع العام على الأقل من زاوية الدور الحصري الذي يضطلع به في تكوين الإطارات الطبية وشبه الطبية أي بمعنى أوضح أين ستكون الأجيال الجديدة من الأطباء والممرضين إذا ارتبك الدور المرجعي للمستشفى العمومي سواء في العلاج أو التكوين أو البحث الطبي. لكن الحفاظ على هذا الدور لا ينبغي أن يغيّب القطاع الخاص الذي يشغل اليوم نصف مهنيي الصحة ونعتقد أنه قادر على التطور أكثر خاصة في اتجاه مزيد استقطاب المرضى الأجانب. لكن مقابل هذه الشعارات يعاني القطاع العام من نقص فادح في الموارد البشرية وتخلف تكنولوجي بفعل فقدانه للسبق في التجهيزات الطبية؟ لو لم تكن المشاكل موجود لما جاءت الحزمة الأخيرة من القرارات العاجلة التي أقرتها الحكومة والتي تهدف أساسا إلى معالجة تراكمات السنوات الأخيرة ولا سيما تداعيات تجميد الانتدابات من 2017 وعدم تعويض الإحالات على التقاعد منذ 2015 إلى جانب إعادة السبق إلى القطاع العمومي في التجهيزات الطبية الثقيلة. وهل وضعت هذه القرارات على السكة؟ حال انعقاد المجلس الوزاري قمنا بتشكيل لجنة تجتمع مرتين في الأسبوع لمتابعة التنفيذ كما نستكمل نهاية هذا الشهر 19جويلية مجلس جهوي للصحة انتهت جميعها بتمكين المديرين الجهويين من ترخيص بالانتداب في حدود الشغورات القائمة علما وأننا منحنا الأولوية للأقسام الطبية التي استكمل بناؤها وتجهيزها لكنها ظلت معطلة بفعل نقص الموارد البشرية وبفضل هذا التمشي تقدمنا بشكل ملحوظ في تنفيذ الانتدابات المقررة والتي تشمل 2000 من الإطارات شبه الطبية والعملة كما أعادت الاعتبار لسلك مساعدي الصحة الذي يضطلع بدور محوري في المستشفيات ووقع تهميشه في الأعوام الأخيرة. وبالنسبة إلى الأطباء؟ نحن بصدد الانتداب الفعلي بعد اطلاق مناظرة أولى للأطباء العامين وثانية لأطباء الاختصاص والصيادلة وأطباء الأسنان علما وأننا تركنا مناظرة أطباء الاختصاص دون سقف أي أن كل طبيب اختصاص يتقدم للمناظرة نقوم بانتدابه من منطلق الحرص على الارتقاء بالتغطية الطبية المختصة في المستشفيات ولا سيما المناطق الداخلية. لكن ترك الانتدابات دون سقف يجب أن يوازيه سد النقص الكبير الحاصل في التجهيزات الطبية وقاعات الجراحة؟ بالفعل وهذا ما شرعنا فيه منذ انعقاد المجلس الوزاري الأخير حيث أعدنا السبق للقطاع العمومي من خلال تجهيز ثلاث مستشفيات جامعية في كل من العاصمة وسوسة وصفاقس بآلات العلاج بالأشعة PTSCAN كما نستكمل قبل هذا العام تجهيز المستشفيات العمومية بعشرة آلات سكانار وثلاث آلات للتصوير بالرنين المغناطيسي IRM إلى جانب العديد من قاعات الجراحة علما وأن تركيب هذه التجهيزات يتم في آجال قياسية حيث جرت العادة أن يستغرق هذا الصنف من المشاريع قرابة العام ونصف العام. لكن المتأمل في الخارطة الصحية يلاحظ ضغطا شديدا على المستشفيات الكبرى يعود أساسا إلى ضعف الخط الأول أمام محدودية استغلال شبكة المراكز الأساسية وضعف التأطير الطبي المختص في المستشفيات الجهوية خاصة في الشريط الداخلي.. كيف تتعاطى الوزارة مع هذه المفارقة؟ يجب الإقرار بأن شبكة المراكز الأساسية لم تواكب التغيرات الحاصلة في المجتمع والخارطة الوبائية التي تتطلب تغيير الأدوات المعتمدة لتكريس شعار «تقريب الخدمات من المواطن» حيث أن عددا كبيرا من هذه المراكز يؤمن عيادة أو اثنتين للطب العام في الأسبوع وهذا تجاوزته الأحداث حيث يتطلع المواطن اليوم إلى نوعية أخرى من الخدمات الطبية المختصة وتبعا لذلك نحن بصدد إعادة هيكلة هذه المراكز إما عبر الارتقاء بها إلى الصنف «4» أو تحويلها إلى مستشفيات وسيطة تؤمن الكشف بالأشعة ومخبر التحاليل وكرسي طب الأسنان إلى جانب حد أدنى من الاختصاصات الطبية وهذا التمشي سيفرز على المدى القريب توازنا في توزيع الطب على الصحة بين المكونات الثلاثة للمنظومة الصحية العمومية. في نفس الإطار يطرح خطر تسارع هجرة الأطباء وحتى الإطارات شبه الطبية وهو ما يثير مخاوف حول مستقبل التغطية الطبية في تونس؟ هذا الموضوع بالذات يحتاج إلى كثير من الصراحة والوضوح فتموقع تونس ضمن الدول الأوائل في سوق تكوين الأطباء والإطارات شبه الطبية هو مفخرة لبلادنا.. بمعنى أوضح فإن تموقعنا ك«ماكينة» تكوين دليل على جودة منظومة التكوين في تونس.. كما ينبغي التأكيد على أن المعطى المالي ليس السبب الوحيد لهجرة الأطباء الذين ينظرون إلى فرص العمل في الخارج كفرصة لتطوير مهاراتهم.. في المقابل لا ينبغي تهويل هذه الظاهرة فدراساتنا تؤكد أن ما لا يقل عن 50 ٪ من الأطباء يعودون إلى تونس بعد انتهاء عقد العمل في الخارج.. وفي خضم هذه المعادلة يتضح أن أفضل معادلة هي توسيع طاقة التكوين لسلك طب الاختصاص وهذا ما شرعنا فيه فعلا من خلال مضاعفة عدد الخطط المفتوحة في آخر مناظرة للإقامة حيث ارتفعت من 500 إلى 960 خطة وهو ما سيفرز عددا أكبر من أطباء الاختصاص في الأعوام القادمة يلبي الاحتياجات الوطنية خاصة في الجهات الداخلية. لكن الوزارة لا تواجه نقصا في عدد أطباء الاختصاص بقدر ما تواجه عزوفا من قبل هذا السلك على الاشتغال بالجهات الداخلية؟ أعتقد أننا بصدد تجاوز هذا العائق من خلال الهيكلة الجديدة لمناظرة الإقامة في الطب أو التخصص التي تضمنت 180 خطة مخصّصة للمناطق الداخلية ان المترشح لهذه الخطط يعرف من البداية أنه سيعين إثر انهاء مرحلة التخصص في احدى المناطق الداخلية، لا تنسى أيضا أنه منذ تفعيل قانون الخدمة الوطنية فإن وزارة الدفاع الوطني بصدد توجيه أطباء الاختصاص المجندين إلى المستشفيات الداخلية كما أن أي طبيب اختصاص يعبر عن رغبته في الانتداب بعد مرحلة التكوين العسكري الأساسي يقع اختزال بقية فترة التجنيد التي كان سيخضع لها.. وهناك انتدابات تمت في 24 ساعة بفضل التعاون الوثيق مع وزارة الدفاع الوطني. من أسباب الضغط المتزايد على المستشفيات التهميش الحاصل للمقاربة الوقائية في الأعوام الأخيرة التي عرفت على سبيل المثال إسقاط قانون عزل المدخنين في الفضاءات العامة وفتور ثقافة التنظيم العائلي والتلقيح والكشف المبكر عن الأمراض.. كيف تتعامل الوزارة مع هذا الخلل؟ إعادة الاعتبار للمقاربة الوقائية يتصدر اليوم أولويات وزارة الصحة حيث نعمل على تقوية الدور الوقائي للخط الأول الذي يتكفل ب 27 برنامجا وقائيا تتعلق أساسا بالكشف المبكر عن الأمراض كما رجعنا إلى سياسة الاتصال المباشر في التلقيح والتنظيم العائلية Porte à Porte ... وأعدنا الاعتبار للسياسة متعددة القطاعات في مكافحة عدة أمراض فالوقاية من التهاب الكبد الفيروسي على سبيل المثال لن تنجح دون تكامل الأدوار مع وزارات التربية والبيئة والفلاحة.. وهذه الحركية أفرزت عدة نتائج هامة منها تحقيق نسبة تغطية في حدود 98 ٪ للتلاقيح المضادة للحصبة. لكن مرض الحصبة عاد بقوة في الأشهر الأخيرة بعد شبه انقراض دام عهودا من الزمن؟ كل الحالات المسجلة حظيت بالمتابعة الطبية اللازمة لكن ينبغي التذكير بأن هذه الحالات جاءت من خارج تونس كما أن الوضع الوبائي العالمي يشير إلى وجود عودة لافتة لهذا المرض في عدة أنحاء من العالم بما في ذلك دول متقدمة. وماذا بخصوص قانون عزل المدخنين في الفضاءات العامة مثل المقاهي والمطاعم؟ للأسف وقع تجميد هذا المكسب في الأعوام الأخيرة وهو ما نعمل على تداركه بالتنسيق مع كافة المتدخلين من أجل إعادة تفعيل قانون العزل بوصفه من أهم أدوات مقاومة ظاهرة التدخين التي تعد سببا رئيسيا للاصابة بعدة أمراض خطيرة. على ذكر الأمراض الخطيرة تواجه المستشفيات أعباء تضخم الكلفة المالية للأعمال الطبية والجراحية فيما ظلت مواردها محدودة نتيجة تعطل الفوترة الحقيقية في علاقة المستشفيات بالكنام... هل تنوي الوزارة إصلاح هذا الخلل؟ بدأنا فعليا في إعداد الأرضية اللازمة من خلال احتساب الكلفة الحقيقية لكل تدخل طبي أو جراحي في المستشفيات العمومية وعلى سبيل المثال تبين أن كلفة زراعة الأعضاء هي ضعف الكلفة التي تحتسب دونما مساهمة الكنام.. ونحن نحرص على استكمال هذا التمشي في أجل قريب حتى تكون كل المستشفيات جاهزة للفوترة الحقيقية في نطاق تمش أشمل يتعلق بكسب رهان رقمنة الصحة في تونس. على ذكر زراعة الأعضاء سجلت الأعوام الأخيرة فتورا لافتا لهذا النوع من العمليات مقابل تضخم أعداد المرضى المحتاجين لزراعة الأعضاء ما هي خطة الوزارة في هذا المجال؟ المهم أن هذا النشاط سجل حركية هامة خلال الأعوام الأخيرة من خلال إجراء عملية زرع قلب في أفريل تلاها زرع كبد ثم حصول تجسيم فعلي لمفهوم المتبرع الوحيد LE DONNEUR UNIQUE من خلال إجراء عدة عمليات متزامنة لزراعة القلب والكبد والكلى أخذت كلها من شخص وحيد متوفى.. كما نسجل عودة التنافس بين الأطقم الطبية إلى جانب رغبة عديد الأقسام بما في ذلك المختص في طب الأطفال في الانضمام إلى شبكة الأقسام المرخص لها بإجراء هذا الصنف من العمليات وتدعيمها لهذه الحركية واجتمعنا مؤخرا بكافة الأطقم الطبية لتحديد حاجياتها من الموارد البشرية والتجهيزات الطبية. من جهة أخرى عرفت تونس في الفترة الأخيرة أزمة دواء غير مسبوقة في ارتباط بتعمق الأزمة المالية لمنظومة الحماية الاجتماعية كيف واجهت الوزارة هذا التحدي؟ الوضع تغير بشكل ملحوظ منذ انعقاد المجلس الوزاري الأخير الذي اتخذ قرارات هامة لتأمين وفرة الدواء منها تكفل الدولة بديون الصيدلية المركزية المتخلدة بذمة المستشفيات العمومية كما استأنفت هذه الأخيرة خلاص مستحقات الصيادلية المركزية بانتظام كما استأنف الكنام بدوره التحويل المنتظم لمستحقات الصيدلية المركزية وهو ما أدى إلى تحسن ملحوظ لمخزونات الأدوية وخاصة الأساسية والحياتية. لكن لماذا لم تقتحم وحدات تصنيع الأدوية في تونس مجال انتاج أدوية الأمراض الخطيرة والمكلفة خصوصا وأن هذا القطاع اكتسب عراقة هامة؟ وضعنا التدابير اللازمة للترفيع في الطاقة الانتاجية الوطنية إلى ما يعادل 70 ٪ من احتياجاتنا الدوائية في أفق 2030 مقابل قرابة 50 ٪ في الوقت الراهن.. والأهم من ذلك أن هذا القطاع سيتجه أكثر نحو تصنيع أدوية الأمراض الخطيرة علما وأننا اقتحمنا في المدة الأخيرة مجال انتاج أدوية أمراض السرطان ونسعى إلى مزيد تدعيمه كما أن دخول وحدة صناعية جديدة مؤخرا طور الانتاج مكّن من الاستغناء عن توريد تشكيلة هامة من الأدوية الحياتية. نأتي الآن إلى المجال الرياضي لأسألك عن تطورات ملف نزاع الترجي الرياضي التونسي مع «الكاف»؟ سندهب إلى أبعد مدى في الدفاع عن حق الترجي الذي نعتبره حق تونس خصوصا وأننا نمتلك كل المؤيدات اللازمة التي تثبت أن تحفظات «الكاف» على التدابير الأمنية أثناء توقيف المباراة هي ادّعاءات لا أساس لها من الصحة.. كما ينبغي التذكير في هذا الصدد بأن تونس لم تكن لتتموقع ضمن أفضل الوجهات السياحية لو لم تكن تمتلك منظومة أمنية قوية. وماذا بخصوص حظوظ المنتخب الوطني في فعاليات كأس افريقيا لكرة القدم بعد عثرة المباراة الأولى مع أنغولا؟ لازلنا نتطلع إلى بلوغ النهائي و«إن شاء اللّه» سنلتقي بالمنتخب المصري.