إن صدام حسين واحد من ابرز قادة عالمنا الثالث المعاصرين الذين افردوا أشرعة أوطانهم وقادوا دفاتها وسط العباب صوب مرافئ الاشتراكية. لقد كانت الاشتراكية في أطيافها الأولى، و في صورها التي تحض على العدل والقضاء على الظلم وتأمر بالمساواة والأخوة بين البشر، تخايل دائما عينيه في طفولته وصباه. هو نفسه ولد في قرى الريف البائس في بيت من بيوت الفلاحين الفقراء ومع ذلك ما أكثر ما عاد إلى بيته بدون سترته، كان يعطيها لطفل او لصبي من رفاقه لأنه وجده خجلا يرتدي سترة بالية او مقرورا يضع على جسده سترة مهترئة. غير انه عندما يقوده نضاله إلى الموقع الأول في المسؤولية وسيكون قد عرف ان ملايين الأطفال في وطنه يخجلون من ستراتهم البالية ويقاسون البرد من ثقوب ثيابهم... وهو لم يعد بوسعه ان يخلع سترته الآن ويغطي كل أجسادهم، سيكون قد أدرك وتعلم ووعى أن الخلاص لكل الفقراء والمضطهدين والمسحوقين في قرى وطنه وأزقته وشوارعه الضيقة يكمن، في الاشتراكية وبالاشتراكية وحدها. وحينذاك سوف يبدأ في التخلي عن طوبائية الحلم ويهرع إلى ارض الوطن ويحفر في باطنها عميقا..عميقا حتى يرسي للحلم قاعدة صلبة في صميم الواقع. فما هي المعالم الأساسية النظرية والتطبيقية للاشتراكية كما يتصورها صدام حسين إذن؟ ما هو شكلها ومحتواها؟ وكيف استطاع أن يتخطى المعضلات التي واجهته حتى يرتفع بالبناء طابقا فوق طابق؟ لنتركه هو نفسه يتكلم الآن من خلال نصوصه فتعبيراته واضحة ودقيقة وعميقة الدلالة يقول صدام حسين :(أحب ابتداء أن أقول، علينا كثوريين في هذا المكان من العالم أن ندرس تجارب الثورات جميعا ولكن علينا أن لا نقتبس بصيغة النقل الآلي وإنما نتفاعل نأخذ ونعطي لنا القدرة في ان نعطي ولدينا الجرأة والوعي والقدرة على الهضم والاستيعاب في ان نأخذ وبهذه الروحية. يجب ان نتعامل مع تجارب العالم عموما لا نشعر ان هنالك تجربة اكبر منا ولا نشعر ان تجربتنا وحدها هي اكبر من كل التجارب. نتواضع بدون ضعف، ونكون أقوياء بدون غرور. نتعامل مع العالم بدون ان نرفع أنوفنا عليه. نتعامل معهم ونرفض ان يترفع علينا أي إنسان وأي كيان في العالم على الإطلاق. بهذه الروحية نتعامل مع تجارب الآخرين لذلك لابد ان نقول وباعتزاز وبدون تعصب انه مهما كانت تجارب العالم..العالم الثالث والعالم الآخر، سوف لن نجد نمطا من التجربة يتطابق تماما مع التجربة التي سنبنيها والتي نبنيها الآن في هذا القطر المناضل. يقول صدام حسين إن من أهم مستلزمات البناء الاشتراكي السيطرة على وسائل الإنتاج وتحويل ملكيتها إلى ملكية عامة، إلى الحد وبالقدر الذي يغطي كافة مستلزمات تهيئة القاعدة المادية للبناء الاشتراكي والمحافظة على الموازنة المطلوبة بين ذلك وبين ما هو مطلوب من دور ونشاط للملكية الخاصة والنشاط الخاص لخدمة الاشتراكية في نظرتها الشمولية للحياة وفق ظروفها ومراحلها المتطورة المتعاقبة. ومن هنا ينظر صدام إلى الدولة الاشتراكية على أنها يجب أن تكون منحازة لصالح الغالبية الساحقة من الشعب في مرحلة تتعارض فيها مصالح هذه الأكثرية مع مصالح القلة الباقية من الفئات المستغلة. وعندما يزول التعارض وينضج البناء الاشتراكي في قوانينه العامة وتطبيقاته الأساسية تصبح دولة كل الشعب. ومن الطبيعي ألاّ تكون فكرة صدام منغلقة في فضائها العراقي الضيق، بل كان ينظر إلى اشتراكية عربية من المحيط إلى الخليج. ولكن ما هي الشروط الواجب توفرها لبناء الاشتراكية العربية في ظل وضع التجزئة الراهن وتشتت الإمكانات الاقتصادية والبشرية وتعدد مراكز التخطيط والتوجه المتعارضة في الأقطار العربية وتمزق الثروة العربية بين أسواق منعزلة ومغلقة. وما هي العلاقة بين عمليات التحويل الاشتراكي في العراق وعملية بناء الوحدة العربية؟ وهل يمكن للاشتراكية ان تتحقق في جوهرها الأصيل – على الأقل كما يفهمه حزب البعث – دون ان تتحقق الوحدة وبطريقة أكثر تحديدا : هل يمكن بناء الاشتراكية في قطر عربي واحد المقصود به هنا هو العراق؟ يتبع