أصابتنا حَسرة كبيرة ونحن نُشاهد ضَياع حلمنا الإفريقي على يد السينغال التي كانت في المُتناول لولا "النِيران الصّديقة" وغدر "الفَار" الذي بان بالكاشف أنه مُجرّد "ديكور" في الكرة الإفريقية. صَدمة شديدة اجتاحت قلوب التونسيين وهم يُشاهدون أغلى الأمنيات تَتحطّم على سفح الأهرامات وسط الابتسامات المُستفزّة والمُقزّزة للسيّد "جيراس" الذي استخفّ بمشاعرنا وساهم في اغتيال أحلامنا عبر خياراته الفَوضوية وسُلوكياته العَبثية. مكاسب "صَغيرة" توقّف القطار التونسي في الدور نصف النهائي لكأس افريقيا. وهذا المكسب قد يُعجب الجامعة المُتعاقدة منذ أعوام مع الفشل والفَضائح. لكن هذا "النّجاح" لا يُشبع أبدا طموحات الشعب المُتعطّش لفرح كبير كذلك عرفه في 2004 و1996 و1978. الجيل الراهن تمكّن في فك "العُقدة" الغانية كما أنه بلغ المربع الذهبي للكأس الافريقية بعد 15 عَاما من الإنتظار. لكن هذا المكسب لا يرتقي أبدا إلى خانة الإنجازات في منتخب خاض "فينال" كأس افريقيا في 1965 وأهدى الشُعوب الإفريقية أوّل انتصاراتها المُونديالية منذ أكثر من أربعة عقود (ضدّ المكسيك في كأس العالم لسنة 1978). إنهاء السباق الإفريقي ضِمن الأربعة الأوائل يُعتبر من النقاط الإيجابية التي قد تُثري بها جامعة الجريء سِجلّها الفارغ من النجاحات والحافل بالفضائح لكن هذا المكسب "الصّغير" لا نظنّه يصمد كثيرا في الذاكرة الشعبية ومن شبه المُؤكد أن "يأكله" "الزهايمر" في وقت وجيز. ويعرف هذا الجيل في قرارة نفسه أن التاريخ سينساه بسرعة لأنه لم يُحقّق إنجازا فريدا كما فَعل مثلا منتخب 78 وأبطال 2004. لقد أنفقت تونس مليارات الدُولارات على هذا المنتخب وسخّرت له أضخم الفنادق وكلّ ما تملك من طائرات ليكتفي بهزم "بَنما" في المُونديال ويبلغ الدّور نصف النهائي لكأس افريقيا وهذا قليل. تعدّدت الأسباب والانسحاب واحد البعض يقول إن الحكم الأثيوبي "باملاك تيسيما" "ذبحنا" والبعض الآخر يقول إنّنا ظلمنا أنفسنا. وقد تتعدّد الأسباب والانسحاب واحد. ربّما هضم الحكم حُقوقنا بعد إعلانه عن ضربة جزاء لفائدة تونس قبل أن يعدل عن موقفه عن قناعة وربّما عن سوء نيّة وهذا ليس بالغريب عن الكرة الافريقية التي مازالت تعيش خارج سياق الحَضارة والتاريخ. ومهما كان ظلم التحكيم فإنّنا لن نغمض أعيننا عن الأسباب الذاتية خاصّة أن الإحصائيات والوقائع تَدين بقوّة فريق "جيراس". فقد خاض منتخبنا إلى حدّ اللّحظة 6 مُباريات في ال"كان" ولم نعرف خلالها طعما للفوز إلاّ في مُناسبة يتيمة (3 تعادلات في الدور الأوّل ثم إزاحة غانا بركلات الترجيح قبل الانتصار على مدغشقر والانهزام على يد السينغال). تَتضاعف مسؤولية الفريق عن هذه الخيبة في ظل الأرقام المُخجلة حول الأهداف المقبولة. فقد تلقّت شباكنا 4 أهداف منها 3 ب"النّيران الصّديقة". وهذه الظاهرة تبعث على "الضحك المُبكي" بحكم أن مثل هذه "الزلاّت" مُتعارف عليها في كرة القدم لكنها تكون عرضية لا أن تتحوّل إلى تقليد ثابت كما هو الحال مع لاعبينا وحارس مرماهم معز حسن الذي من حقه "مُقاضاة" مدربه حمدي القصراوي لتقصيره الواضح في تعليمه أبجديات التصدي للكرات الفضائية. أجواء غير عادية يعرف القاصي والداني أن الأجواء في المنتخب كانت "مسمومة" خاصّة بعد حَملة الإقصاءات التي طالت عدة "رؤوس كبيرة" مِثل علي معلول وفخر الدين بن يوسف وسط توتّرات غير مُعلنة من عدة عناصر دولية كانت تُعارض هذه الاستبعادات. وجاءت التعادلات الثلاثة أمام أنغولا ومالي ومُوريتانيا لتفضح المشاكل الكبيرة في المنتخب الذي بان بالكَاشف أن عددا من نجومه خارج نطاق السيطرة ودخلوا في صِراعات مريرة من أجل "زعامات وهمية" كشارة القيادة (والحديث عن المساكني والخزري). وظهر "جيراس" في صورة المدرب الضَّعيف والعاجز على فرض كلمته والتحكم في مجموعته بدليل "ثورة" بسّام الصّرارفي ومن بعدها اعتراض الحارس معز حسن على قرار تغييره بفاروق بن مصطفى بمناسبة ركلات الترجيح في لقاء غانا. منتخبنا عاش حَالة من الغليان وكان مُهدّدا بالإنفجار لولا اجتياز عقبة غانا الشيء الذي منحه جرعة أوكسيجين وجعله يَتناسى ولو إلى حين مشاكله وصِراعاته. عناصرنا الوطنية كانت أشبه بمن يدفع الصّخرة نحو قمّة الجبل بدعم من الجمهور والإعلام الذي استفزّهم وأشعل حماسهم بالنّقد. لكن هذا الصّمود كان مؤقّتا وكان الجميع على يقين بأن الإنهيار آت لا ريب خاصة في ظل وجود مدرب "أحمق" ويشتغل على رأي لاعبنا السابق حسام الحاج علي ضدّ مصلحة تونس ويتحرّك حسب نجمنا المشهور طارق ذياب بأوامر "المدرب الكَبير" والجالس في المدرّجات (يقصد وديع الجريء). الجامعة ولعبة الصُّورة القاصي والداني كان على علم بأن الجوّ في المنتخب "مكهرب" وغير ملائم للمُراهنة على المجد الإفريقي رغم المحاولات اليائسة التي كانت تقوم بها الجامعة لتقديم صورة مُغايرة عن حقيقة أوضاع الفريق في "العين السخنة". الجامعة وبالتنسيق مع لجنتها الاتصالية أغرقتنا بفيديوهات وصُور تؤكد أن الأمور عال العَال. فقد ظهر المساكني جنبا إلى جنب مع الصّرارفي تكذيبا لإشاعة تبادلهما اللّكمات. وأطل الفرجاني ساسي ليُقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يتجاوز عتبة الفندق ردا على خبر مغادرته المعسكر و"ثورته" العَارمة بسبب اصرار "جيراس" على "تقزيمه" بشكل يُسيء إلى شعبيته الواسعة في مصر ويجرح غروره الذي دفعه إلى الوقوع في الاستسهال أمام حارس السينغال ليهدر ضربة جزاء ثمينة وربّما كانت ستهدينا ثأشيرة "الفِينال". لقد أتقنت الجامعة لعبة الصّورة لكن لم تُوفّق في مغالطة الشعب الذي كان يعلم عين اليقين أن فريقه يُعاني وليس في أتمّ الجاهزية لينافس على الكأس. كلام للإستهلاك بعد ضَياع الحلم الافريقي تبنّى البعض جملة من المواقف التي تهدف إلى الرفع من المعنويات من قبيل أنّنا خسرنا لقبا وكسبا منتخبا شابا في حين أن معدّل أعمار اللاعبين الذين راهنا عليهم في مقابلات ال"كان" يتجاوز 26 عاما فضلا عن وجود عدة أسماء مُنتهية الصلوحية ومن الصعب أن تقتلع مكانا في التظاهرات القادمة. والحقيقة أن هذه النظريات المغلوطة هي مجرّد "مسكّنات" لإطفاء النيران المُشتعلة في صدور التونسيين الذين "يُواسون" أنفسهم بتأهل جارتنا الجزائر إلى "الفينال" مُعتبرين أنها أفضل تعويض عن خسارتنا أمام السينغال لكن من يغوص في أعماق الجمهور التونسي سيدرك حجم الحسرة والقهرة لأن الأماني كانت مُمكنة لولا التحضير السيء بداية بإختيار المدرب مرورا ببرنامج الوديات وتوتير الأجواء بسبب قائمة ال"كان" وصولا إلى "التكتيك" العقيم أثناء الرَسميات. ولا ننسى طبعا التأثُيرات الجانبية للوكلاء الذين اخترقوا أجواء المنتخب منذ فترة ليست بالقصيرة والأخطر أن عدة جهات تؤكد أن بعض "السّماسرة" يتمتّعون بحظوة خاصة لدى رئيس الجامعة وحاشيته بما فيها من إعلاميين وحكّام ودخلاء أحدهم نال منصبا تنظيميا رفيعا رغم أن مؤهلاته لا تسمح له بالتواجد على باب الجامعة أوأحد البنوك. «أيتام» معلول استغلّ الموالون للمدرب السابق للمنتخب نبيل معلول الحَماقات التي ارتكبها "جيراس" في ال"كان" ليُوهموا الناس ب"النّعيم" الذي كنا نعيشه مع "السيد خماسيات" وصاحب مهزلة الرأس الأخضر. "أيتام" معلول اعتقدوا أن الشعب سينسى خماسية بلجيكا وكِذبة بلوغ الدور ربع النهائي لكأس العالم وما رافقها من دموع التماسيح التي سكبها "سي" نبيل قبل أن يطير إلى قطر دون حِساب. وبالحديث عن الحساب نظن أن الفرصة مناسبة لتُراجع جامعتنا المُوقّرة نفسها وتقف على أخطائها خاصة أنها فشلت فشلا ذريعا في تحقيق انجازات كبيرة واكتفت بكسب معارك رياضية "صَغيرة" مع تعبئة الخزينة بالكثير من الفلوس وهي مُهمّة لكنها لن تُعوّضنا بأي حال من الأحوال عن المجد الحقيقي الذي قد يكون من نصيب شقيقنا الجزائري. في حين سنكتفي نحن بالتصفيق يوم الجمعة لنسيان القَهرة التي تجتاح قلوبنا.