إنّ كل خطوة على طريق التصنيع يجب ان ترتبط عند صدام، بالهدف او الاهداف او بتعبير ادق بالرؤية الاستراتيجية المتكاملة لأفق تطور المجتمع العراقي في ارتباطه بآفاق تطور الوطن العربي ككل. اننا نضرب هنا مثلين لهما دلالتهما البالغة على طريقة تفكيره.. الأول: يتعلق بقضية بناء قاعدة للتصنيع الثقيل داخل العراق ((فالفنيون عندما يبحثون هذا الموضوع ينظرون الى حاجة العراق الى التصنيع الثقيل وحسب والى امكانات العراق ويأخذون المؤشرات المرتبطة بهذه النظرة فيضعون الخطة لهذا العمل ويرسمون الخطوة المركزية الاولى على اساس هذا التقدير فيقعون في الخطأ ايضا) إذن كيف يفكر هو في الامر؟ يقول صدام، أما العقل السياسي فلابد عند بحثه لبناء قاعدة للتصنيع الثقيل في هذا القطر، ان يضع في الحساب حاجة الامة بضوء مستقبلها وتطور السياسة الدولية وبضوء تطور وصلة المكان والزمان والحركة الاجتماعية بين هذا القطر وبين اقطار الوطن العربي فعندما نبحث مسألة التصنيع يجب ان ندرس بعمق التطور المحتمل في الاقطار العربية اجتماعيا واقتصاديا وعسكريا، اي ان ندرس التطور المحتمل واتجاهاته و منعكسات ذلك على الدور الذي يمكن ان يلعبه العراق في بناء مثل هذه القاعدة ضمن التفكير القومي). المثل الثاني : يتعلق بقضية تصنيع السلاح والتجهيزات العسكرية هل في امكان العراق ان يذهب في تصنيع السلاح الى حد تغطية كل ما يمكن ان يحتاج إليه يقول صدام حسين ، للإجابة الصحيحة على مثل هذا التساؤل يجب ان ندخل في حسابنا نقطة مركزية اساسية : هي ان الدول العدوة، او الخصم الان وفي المستقبل والى وقت طويل سوف تكون حليفة او صديقة للولايات المتحدةالامريكية، اذن فان الحلقات المركزية في تسليحنا يجب ان تكون متوازية مع الحلقات المركزية المتصورة لتطور العلم والتكنولوجيا العسكرييين في الولاياتالمتحدةالامريكية، ومن هنا فنحن غير قادرين في مدى تلك المدة ان نصنع كل ما يتطلبه جيشنا ونستغني عن الارتباط في حلقات معينة مع الدول التي تعتبر هي مصدر التسليح المركزي لجيشنا لان الدول التي ستظل تحاربنا كواقع قائم الآن او كاحتمال للمستقبل المنظور هي دول صديقة او حليفة تقاتل بالنيابة عن الامريكان في هذه المنطقة. ولكن هل يعني هذا الكف عن التفكير في التصنيع العسكري او الدخول فيه حتى بصيغة (النفقات الضائعة) او غير الضائعة؟صدام حسين يجيب هنا بحسم :لا، لأن هذا يعني اننا سوف نقبل النمط الحالي من صيغ وحجم ونوع التعامل الى ما لا نهاية، رغم ان الدول التي تزودنا بالسلاح هي دول صديقة لان هذه الدول لا يفترض انها تتفق معنا في كل الاهداف التي نريدها.. لأن حدود افكارنا وأهدافنا ليست محصورة ضمن العراق وإنما تتعداه الى الوطن العربي، لذا يجب ان نعد انفسنا في تصنيع السلاح بما يتناسب وهذا التصور ومستلزماته والذي قد يتعارض او لا يلتقي في كل او في بعض جوانبه مع استراتيجية دول مصدر السلاح في زمان ومكان ما. لم يكن غريبا اذن أن يكون تفكير صدام شموليا، ذلك لان سمة اساسية من سمات تفكير صدام حسين في هذا الميدان وربما في كل الميادين الاخرى هي الاقتحام وليس مجرد التحدي. غير ان الاقتحام هنا لا يعني بحال من الاحوال معنى المغامرة وإنما يعني اولا وقبل اي معنى اخر التتويج الاستراتيجي للتحليل العقلي المتوازن الذي يمارسه قائد سياسي يدرك بشمول وينهج بتكامل. فهو ايضا علمته تجربة حياته ونضاله ان التقدم معركة، كما ان الحياة معركة ومتى كان تاريخ المجتمعات البشرية مختلفا حقا عن التاريخ العسكري؟ يتبع