إن هذا السؤال الجوهري قد طرحه صدام حسين نفسه وأجاب عنه بطريقة واضحة في نص له يحمل عنوان : (حول إقامة الاشتراكية في قطر عربي واحد) ربما أضاف به مساهمة جادة إلى التراث النظري لحزب البعث بشكل عام. فبماذا أجاب؟ (إن مفهوم الحزب لهذه المسألة يتحدد في انه لكي تأخذ الاشتراكية كامل مداها وتتحقق إمكاناتها المقتدرة على مواجهة التطورات العالمية والكتل الكبيرة ومخاطرها وكذلك على توفير إمكانات التطور المادية والمعنوية في المجالات كافة من اجل الصيرورة الجديدة لقاعدة الثورة العربية، لابد من نضال قومي يحقق الوحدة ويترافق مع النضال والبناء الاشتراكي. ولكن هل بالإمكان تطبيق الاشتراكية التي نريد في أي بلد عربي في هذه المرحلة بمجرد توفر الإرادة السياسية لتحقيق الاشتراكية؟ الجواب : لا يمكن تطبيق الاشتراكية بمداها الواسع في اي من البلدان العربية بمفرده وخارج إطار النضال القومي.ولكن هل يمكن السير في بناء الاشتراكية داخل العراق مع مواصلة النضال من اجل الوحدة العربية؟ الإجابة :نعم. بالإمكان إقامة الاشتراكية في القطرالعراقي بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي مع إبقاء راية النضال القومي مرفوعة وبذلك يكون تطبيق الاشتراكية احد العوامل المركزية في تقوية أرضية النشاط الفعال والمؤثر للنضال القومي الوحدوي بطريقتين : أ- تهيئة المستلزمات المادية وتفجير الطاقات الإنسانية على نحو استثنائي لتقوية الشروط الفعالة لنضال الوحدة من ناحية.. ب خلق النموذج المطلوب كانعكاس لأفكارنا المركزية بما يسهل مهمة التواصل والتفاعل النفسي والفكري ايجابيا مع القاعدة المحررة والاشتراكية للنضال العربي من ناحية أخرى. ومع ذلك أيمكن تحقيق الطموح كاملا داخل القطر الواحد ام تحقيق الممكن فقط؟ وما هي حدود هذا (الممكن) بالنسبة للطموح؟ الإجابة: إن إقامة الاشتراكية في القطرالعراقي ممكنة وضرورية ولكنها تبقى قاصرة على إعطاء صورة الطموح التي نريدها في الوطن العربي الكبير ولا تغطي كل الإمكانات المادية التي نريد توفرها لبناء دولة عصرية مقتدرة ومتمكنة من العيش والاستقلالية الكاملة والشاملة في مجتمع التكتلات الدولية الكبيرة... الموقف الفكري لصدام حسين من هذه القضية واضح تماما إذن انه – مرة أخرى – تحقيق الممكن في الواقع انطلاقا من تناقضات الواقع نفسه ولكن ضمن منظور ثوري يناضل من اجل السيطرة على هذه التناقضات وحلها حلا ثوريا يتسق مع مبادئه ويتجه نحو الاقتراب من الغايات البعيدة الشاملة التي تحددها فلسفته انه يسعى الآن لتحقيق (النموذج) داخل حدود قطره وهو يطمح إلى أن يكون هذا النموذج مختلفا ومتقدما نوعيا على تجارب بلدان العالم الثالث والوطن العربي دون أن يغفل للحظة وهو يتحرك اقتصاديا واجتماعيا بإمكانات العراق الذاتية عن أن هذه السلسلة من التطورات داخل القطرالعراقي ليست نهاية الحلقات وإنما يجب أن تظل هذه الحلقات مفتوحة لاستيعاب صورة المستقبل على طريق النضال القومي من اجل الوصول إلى المجتمع العربي الديمقراطي الاشتراكي الموحد. وما من شك في أن بناء الاشتراكية في قطر واحد لا يعني تعطيل أو تحجيم النضال من أجل الوحدة بنفس القدر الذي لا يكون به تحقق الوحدة – إذا أمكن لها أن تتحقق – تعطيلا أو تحجيما للنضال من اجل الاشتراكية ذلك لان بناء الاشتراكية هو تحقيق لأساس من الأسس النظرية والعملية للوحدة في مضمونها الصحيح والجوهري. إن تحقيق هذه الأهداف مرتبط بإرادة قوية لا يجب أن تكسر، و ما على هذه الإرادة فعله، هو كسر التبعية للقوى الاستعمارية وكسر الطوق الذي فرضه الاستعمار القديم على الشعوب ومنعها من التحرر والنهوض. وكان لا بدّ في هذه المرحلة من البناء أن تكون المواجهة ضد الإمبريالية في كل مستوياتها. يتبع