صفاقس: فتح محاضر عدلية ضدّ أشخاص شاركوا في أحداث عنف بمنطقتي العامرة وجبنيانة (مصدر قضائي)    اختتام أشغال الدورة 25 للجنة العسكرية المشتركة لتونس وإيطاليا    هيئة الانتخابات:" التحديد الرسمي لموعد الانتخابات الرئاسية يكون بصدور امر لدعوة الناخبين"    جلسة عمل وزارية حول عودة التونسيين بالخارج    وزيرة الاقتصاد: الحكومة على اتم الاستعداد لمساندة ودعم قطاع صناعة مكونات الطائرات في تونس    الإقامات السياحية البديلة تمثل 9 بالمائة من معدل إختراق السوق وفق دراسة حديثة    مصر.. موقف صادم في الجامعة الأمريكية بالقاهرة    البطولة الافريقية للاندية البطلة للكرة الطائرة - مولدية بوسالم تنهزم امام الاهلي المصري 0-3 في الدور النهائي    رابطة الأبطال الافريقية - الترجي الرياضي يتحول الى بريتوريا للقاء صان داونز    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    فيلم "إلى ابني" لظافر العابدين يتوج بجائزتين في مهرجان "هوليوود للفيلم العربي"    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    فازا ب «الدربي وال«سكوديتو» انتر بطل مبكّرا وإنزاغي يتخطى مورينيو    المهدية .. للمُطالبة بتفعيل أمر إحداث محكمة استئناف ..المُحامون يُضربون عن العمل ويُقرّرون يوم غضب    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    بنزرت .. شملت مندوبية السياحة والبلديات ..استعدادات كبيرة للموسم السياحي الصيفي    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    رمادة: حجز كميات من السجائر المهربة إثر كمين    نابل: السيطرة على حريق بشاحنة محملة بأطنان من مواد التنظيف    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراجع إلى 8 درجات    حنان قداس.. قرار منع التداول الإعلامي في قضية التآمر مازال ساريا    التضامن.. الإحتفاظ بشخص من أجل " خيانة مؤتمن "    النادي الصفاقسي : تربّص تحضيري بالحمامات استعدادا للقاء الترجّي الرياضي    أي تداعيات لاستقالة المبعوث الأممي على المشهد الليبي ؟    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    ليبيا: ضبط 4 أشخاص حاولوا التسلل إلى تونس    عاجل/ إنتشال 7 جثث من شواطئ مختلفة في قابس    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميلته بآلة حادة داخل القسم    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    طبرقة: فلاحو المنطقة السقوية طبرقة يوجهون نداء استغاثة    عاجل : الإفراج عن لاعب الاتحاد الرياضي المنستيري لكرة القدم عامر بلغيث    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 8 أشخاص في حادثي مرور    إنطلاق فعاليات الاجتماع ال4 لوزراء الشباب والرياضة لتجمع دول الساحل والصحراء    طلاق بالتراضي بين النادي الصفاقسي واللاعب الايفواري ستيفان قانالي    عاجل : مبروك كرشيد يخرج بهذا التصريح بعد مغادرته تونس    الجامعة تنجح في تأهيل لاعبة مزدوجة الجنسية لتقمص زي المنتخب الوطني لكرة اليد    جربة: إحتراق ''حافلة'' تابعة لجمعية لينا بن مهنّى    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    وزير الدفاع الايطالي في تونس    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    جرايات في حدود 950 مليون دينار تُصرف شهريا.. مدير الضمان الإجتماعي يوضح    تونس : 94 سائحًا أمريكيًّا وبريطانيًّا يصلون الى ميناء سوسة اليوم    المرصد التونسي للمناخ يكشف تفاصيل التقلّبات الجوّية    بعد الاعتزال : لطفي العبدلي يعلن عودته لمهرجان قرطاج    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    بسبب فضيحة جنسية: استقالة هذا الاعلامي المشهور..!!    فظيع/ جريمة قتل تلميذ على يد زميله: تفاصيل ومعطيات صادمة..    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج2)
نشر في الفجر نيوز يوم 08 - 08 - 2009


الفجرنيوز فريد خدومة
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر (ج1)
1 - مريم:63
2 - القصص:83
إن شدة النهم هي التي تنتهي بالإنسان المدفوع بالرغبة الملحة لإشباع الغرائز البهيمية – من خلال ثقافة الإستغلال والصخرة والعدوان- والمحكوم بنزعة الجشع وسرعة الإستحابة لمطالب البطن والفرج في المقام الأول- إلى الإعتداء على أخيه الإنسان- وهو الفاقد من خلال منظومته الفكرية وثقافته ذات المنزع الطبيعي المادي، للأبعاد الإنسانية والقيم والإعتبارات المعنوية- وإشعال نار الحرب وزرع الخراب والدمار في الأرض، ذلك لأن النهم والجشع هو الذي تسيطر عليه نزعة عدم الإنتهاء إلى أي حد في الإستلاء على ما عند الآخرين والإمتناع مطلقا عن إعطاء أي شيء مما عنده. هذه النزعة التى قادت الولايات المتحدة الأمريكية- كما قادت قوى الهيمنة الإستعمارية الغربية الصليبية من قبل- لإحتلال أفغانستان ثم العراق وإلى هذا الإنتشار الواسع للوجود العسكري الأمريكي في الكثير من أنحاء العالم بذريعة "مكافحة الإرهاب". وإذا كانت الإعتبارات المادية تحتل المقام الأول، فإن ذلك لا يعني أن الإعتبارات المعنوية ذات الأبعاد الثقافية والحضارية غير واردة.ولعلي أستطيع أن أؤكد أن المسألة الثقافية والمسائل المعنوية هي التي تحتل المقام الأول من اهتمامات زعماء الحرب والتدمير والتخريب في العالم بالعواصم الغربية في هذه الحملة الصليبية الجديدة وهذه الغارة الجديدة على العالم اإسلامي.
وحتى لا أقول واهمون حقا أولئك الذين يرون أن الهدف من وراء غزو التحالف الصليبي اليهودي للعراق بقيادة أمريكا، وبتأييد مطلق من المملكة المتحدة وإسبانيا واستراليا، وبمشاركة من باقي دول المعسكر الأوروبي الصليبي، وغيرها من الأنظمة التابعة، اقتناعا، أوخوفا ، أو طمعا أو لهذه الإعتبارات كلها أو بعضها ، بما في ذلك بعض الدول المعترضة على ذلك كفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وغيرها، لذلك البلد العربي المسلم- هو الإستلاء على ثروته النفطية فقط، وإن كان ذلك صحيحا، إلا أن الذي يجب أن نعلمه أن لقوى الهيمنة والإحتلال غايات أكبر وأهداف أكثر ومصالح أهم ومطالب الح وضرورات أقصى من ذلك، لأن ثروة النفط العراقي في ظل نظام صدام حسين قائد حزب البحث العربي الإشتراكي ليست بمنأى عن استفادة الغرب وأمريكا تحديدا منها بل كانت حصص هذه القوى الدولية التدميرية مضمونة لها من قبل نظام البعث في العراق بدون كل هذه الخسائر البشرية في صفوف جنود قوات الإحتلال والمتعاونين معه والمادية من خزائن دولها . وبقدر ما كان الإحتياطي النفطي العراقي مهما، وبقدر ما يكون التوق إلى تأمين تدفقه نحو الخزانة الأمريكية وحصص باقي الدول الغربية المشاركة في العدوان والموافقة والمعاونة عليه بقدر ما لم يكن الدافع الرئيسي والأول والآخر لأطماع الولايات المتحدة الأمريكية والزعماء الإستعماريين الصليبيين العنصريين لباقي العواصم الغربية المشاركة في الغزو. وهي التي حققت انتشارا واسعا في دول وسط آسيا، وأصبح لها حضور ضاغط في دول القوقاز لتأمين حصتها من الإنتاج النفطي الوافر هناك أو وضع اليد عليه. وهي التي قبل سيطرتها الكاملة على الثروات النفطية في منطقة الخليج سياسيا ثم عسكريا بعد حرب الخليج الثانية والتي سميت بحرب تحرير دولة الكويت من غزو النظام العراقي لها سنة 1990 ، كانت تتحكم بالكامل في السياسة النفطية لدول أوبيك عموما ولدول الخليج خاصة.فهي التى تحدد إلى حد كبير كميات الضخ والإنتاج وتزويد السوق، وهي التى تحدد الأسعار على حد قول وزير نفط سعودي سابق. ولكن لأمريكا رؤية استراتيجية حضارية ثقافية دينية أكبر يوافقها فيها الغرب الصليبي والشتات اليهودي في العالم. فحتى تلك الجهات والأنظمة التى لم تكن في الحقيقة رافضة لشن الحرب على العراق وكانت تبدي اعتراضا على ذلك، والغير راضية على احتلاله ولاعلى الإطاحة بنظام صدام حسين العلماني اللائكي، ولكنها تعتبر أن الوقت مازال مبكرا لفعل ذلك.
وتسعى إلى أن يكون ذلك في إطار تحالف دولي يستند الى قرار دولي صادر عن منظمة الأمم المتحدة.
وكانت كلها طيلة مدة الإعداد للحرب ورسم الخطط العسكرية من قبل دول التحالف العسكري تفتح أجواءها للقوات الأمريكية للعبور وتتمنى لها نصرا عاجلا على حد قول الرئيس الفرنسي جاك شيراك في أحد تصريحاته لوسائل الإعلام، فقد اتضحت صورة هذا التحالف الإستراتيجي في ما سمي: الحرب على الإرهاب بعد الهجوم الذي شنه تنظيم القاعدة الذي يتزعمه شيخ المجاهدين أسامة بن لاذن على برجي مركز التجارة العالمي، ومركز وزارة الدفاع الأمريكي – البنتاقون- يوم 11/9/2001، وقد شهد العالم رجة لم يسبق لها في التاريخ المعاصر مثيلا، وارتعدت فرائص قيادات الأنظمة العلمانية اللائكية والتقليدية والنخب الداعمة لها لتصريح جورج بوش الإبن سيد البيت الأبيض الذي مازال لم ينفض عن كاهله غبار سباق انتخابات رئاسة البيت الأبيض الأمريكي- الذي كان فيها في منافسة شديدة مع مرشح الحزب الديمقراطي آل قور، وما تحللها من فضائح وتلاعب بالأصوات والنتائج التى لم يقع الحسم فيها إلا بعد قرابة شهر من الزمن أو يزيد، والذي أعلن فيه قوله " من ليس معنا فهو ضدنا". وكان أشد الناس تهافتا لنيل رضى المارد الأمريكي الجريح بإعلان شن الحرب على الإرهاب، وهم الهدف، سواء علموا ذلك أولم يعلموا،وسواء التحقوا أو لم يلتحقوا، وبالمساندة أوعدم المساندة، وبالقبول أو بالرفض وبالغضب أوبالرضى، وخاصة العرب والمسلمين منهم، سواء من كان منهم على خط العروبة والإسلام أو من كان على الخط العلماني اللائكي. فقد بات واضحا، وبما لا يدعو مجالا للشك أنها حرب ضد العرب والمسلمين فقط ، ولا قبول بحديث عن الإرهاب بعد ذلك ولا قبله، تلك هي ثقافة الرجل الأبيض"المسلح المقاتل والمبشر والباحث عن الثروة"، ثقافة الهيمنة والإستئصال والتطهير العرقي والفصل العنصري في إشارة إلى الإجتياح الإستعماري البشع المتناقض مع الحرية والحقوق والمساواة وحقوق الإنسان، ومأساة الزنوج والعنصرية في أمريكا وجنوب إفريقيا وأستراليا وأوروبا، والإبادة الجماعية للهنود الحمر خاصة، من طرف الرجل الأمريكي والبرتغالي والإسباني والغربي "المتحضر"عموما.
فقد كان احتلال العراق البلد العربي المسلم الخاضع لعقود من الزمن لنظام حزب البعث " العربي" الإشتراكي اللائكي، وقد تم فيه تنفيذ مقولة الرجل المسلح والمقاتل، واستكمل بالدرجة الثانية مقولة الباحث عن الثروة، بالإسراع للسيطرة على منابع النفط ، ثم فسح المجال للغوغاء، وكل من هب ودب من عناصر المافيا العالمية، وأجهزة الإستخبارات المختلفة التي تهافتت من كل أنحاء العالم وعلى رأسها الموساد اليهودي لنهب كل ما هي في حاجة إليه، من وثائق علمية واستخباراتية، ومن ثروات معدنية ومالية وأثرية، وخاصة في ما كان من إعطاء القوات الأمريكية الغازية التى أصبحت لها السيطرة الكاملة على العاصمة بغداد- الفرصة لكل تلك الجهات بامتداد أيديها العابثة بصفة خاصة للمتحف الأثري العراقي والمكتبة الوطنية، اللذين يحويان 10 آلاف سنة من التاريخ البشري والذي يعطي هذا التاريخ أهمية أكبر وقيمة أهم أنه ليس تاريخ الإنسان الأبيض العنصري في كل من أمريكا و أوروبا، وحيث ما كان للإنسان الصليبي اليهودي المعاصر وجود، ليكون ذلك انفاذا لمقولة المبشر، ويبدأ التبشير هنا من تدمير الذاكرة التاريخية والعربية الإسلامية للعراق، وفرض الخيار الحضاري والثقافي الغربي، في ظل شعارات خلابة براقة خادعة مضللة، ووعود زائفة كاذبة. ذلك أنه ليس ثمة خطوة في منهجية الحركات والتنظيمات والإرساليات التبشيرية أولى من العمل على محو ذاكرة الجهة أو الجهات المقصودة بالنشاط التبشيري، لأن محو الذاكرة والإلغاء الحضاري والثقافي للآخر،هما أصلان من أصول الفكر الغربي التوراتي الإنجيلي. وهذه المنهجية الإستعمارية التى نجد لها أصلا في ثقافة الغرب الصليبي اليهودي، وهي التى يريد باعتمادها فرض نظام العولمة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بعد سقوط المعسكر الشرقي، محوا لذاكرة الشعوب والأمم، وإلغاءا للثقافات والحضارات والأديان الأخرى ، وتثبيتا للتصورات والمناهج الغربية الأوروأمريكية ، وللثقافة والحضارة الغربية، ومن ثمة للديانة التواراتية الإنجيلية التى أقام عليها الصليبيون الجدد واليهود الأسس النظرية والفكرية للحضارة الغربية المعاصرة.
وإنه ليكاد يكون في شبه حكم المؤكد أن نفط العراق بالرغم من أنه يمثل ثاني إحتياطي نفط في العالم، إنما يأتي في آخر إهتمامات الولايات المتحدة، في غزوها للعراق، والإطاحة بنظامه اللائكي الإستبدادي الإبن غير الشرعي للنظام الإستعماري كغيره من الأنظمة الفاسدة العلمانية منها والتقليدية في ما تبقى من أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين. وإن أولى إهتماماتها هو إحكام السيطرة العسكرية بالكامل على المنطقة العربية الإسلامية، وانتزاع ما كان الغرب قد زود به القيادة البعثية للعراق من معلومات وتقنيات وخبرات وأنظمة كانت قد أعطتها تفوقا عسكريا على جمهورية إيران الإسلامية الشيعية السبئية، التى كان ينظر إليها على أنها ثورة إسلامية، وعلى أنها دولة إسلامية يخشى من انتشار لهيب ثورتها في المنطقة كلها. بما أصبح يمثل تهديدا لمصالح الغرب كله في المنطقة، وبما قد يمثله ذلك من تهديد للكيان الصهيوني كقاعدة متقدمة للغرب الصليبي فيها وفي العالم العربي الإسلامي عامة. وكمثال للأنموذج الحضاري الغربي في العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط وفي قلب العالم الإسلامي كله. إن إعطاء الغرب صدام حسين ما يستحقه لإضعاف النظام الإيراني الجديد أو إسقاطه أو حصر نفوذه المحتمل في حدوده جعله يعتبر بعد غزوالكويت، أنه قد ذهب معه إلى الآماد التي تبقى غير مقبولة. وهو الذي أمده بكل الممنوعات، بموافقة دوله المعنية بالمنطقة أو بغض الطرف عما هو قائم من علاقات تبادل وبيع وشراء وصفقات مختلفة ومتنوعة بينه وبين الكثير من الشركات المنتجة للبرامج المختلفة ذات الطبيعة العسكرية والتقنيات والأجهزة والمعدات، إضافة إلى العلماء والمعلومات والتقنيين والتقنيات.
وقد كان قادرا مدة الحرب خاصة، وبدعم عربي لا مشروط، وبدعم غربي ومساندة قوية على تطوير قدراته العلمية والتقنية، خاصة في الصناعات العسكرية، فقد أصبحت له بنية أساسية مادية وعلمية وتقنية، تبين أنه أصبح قادرا ذاتيا من خلالها على تطوير قدراته الصناعية والعسكرية. وقد تبين الغرب الداعم له أنه أصبح يتجه في تطوره نحو أن يصبح قوة مستعصية على القضاء عليه عسكريا عند الإقتضاء. لا سيما أن بين يدي نظام حزب البعث قوة إقتصادية، إعتمادا على ثروات العراق النفطية الهائلة، وثروته الزراعية التى تزيدها إيرادات النفط رغم التبذير والفساد المالي والإداري، نموا وازدهارا،ويزيدها تطوره الصناعي وفرة وجودة. وليس مرد ذلك في الحقيقة لوطنية النظام ولا لحكمة القيادة، وقدرتها على إدارة شدة الحكم على النحو الذي يتحقق به للوطن وللشعب أكبر أقدار ممكنة من النمو والتطور،ولكن لما توفره هذه الأرض المباركة المعطاء وما يقدمه هذا الشعب الأصيل والعريق في العروبة والإسلام والوطنية من مجهودات ومن بذل وعطاء من أجل الكفاية والإستقلال ومن أجل التقدم والرخاء والعزة والكرامة، وتأكيد السيادة على الأرض. هذا الشعب الذي إختزله القائد في شخصه، وهذا الوطن الذي أصبح واقعا مجرد اقطاعية يملكها القائد الملهم، ولا ينظر إلى الشعب فيه إلا على أنه رقيق للأرض يباع معها ويشترى، وله عليه حق الإبقاء على الحياة فيه أو إنتزاعها منه، وليس له من حق في إيراداته إلا بقدر الحاجات الملحة الضرورية لإقامة الأود. ويرجع الكل في النهاية لخزانة القائد المستبد ولحسابات العائلة والأصهار وبعض رموز العشيرة والأوفياء له من الذين يعول عليهم في بقاء ملكه من العناصر الأكثر انتهازية في "حزب البعث".
" فاسير الإستبداد الفاقد الإرادة هو مسلوب حق الحيوانية فضلا عن الإنسانية لأنه يعمل بأمر غيره لا بإرادته، ولهذا قال الفقهاء: لانية للرقيق في كثير من أحواله،إنما هو تابع لنية مولاه" قد جاء في الإستبداد السياسي ما يقول به بعض المحررين السياسيين من الإفرنج من"إن المستبدين من السياسيين...يسترهبون الناس بالتعالي الشخصي والتشامخ الحسي، ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يجعلوهم خاضعين لهم، عاملين لأجلهم كأنهم خلقوا من جملة الأنعام نصيبهم من الحياة ما يقتضيه حفظ النوع فقط".
"فكلما كان المستبد حريصا على العسف، احتاج إلى زيادة جيش المتمجدين العاملين له و المحافظين عليه، واحتاج إلى الدقة في اتخاذهم من أسفل السافلين الذين لا أثر عندهم لدين أو وجدان واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة، وهي أن يكون أسفلهم طباعا أعلاهم وظيفة و قربا"(1)
فاذا كانت قوات التحالف الصليبي الغربي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية قد تداعت لغزو العراق بعد سقوط المعسكر الشرقي وإعلان أمريكا نفسها قوة مهيمنة على العالم لفرض نظام دولي جديد، وأحداث 11/9/2001، وغزو أفغانستان، وصعود اليمين المسيحي المتطرف إلى الحكم بالبيت الأبيض، وتوجيه أنظار العالم خوفا وطمعا واقتناعا إلى وهم إعلان الحرب على الإرهاب، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والإلتزام المعلن بحماية الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، والدعم اللامشروط له- بفرض الاستلاء على قطاع النفط كأحد أكبر وأهم مصادر القوة للنظام العراقي في تطوير قدراته العسكرية باتجاه امتلاك أسلحة الدمار الشامل أو أي أسلحة أخرى دفاعية أو هجومية تحفظ أمنه واستقلاله كالتي تملكها الدول الغربية والتي لا تريد إلا أن تظل وحدها مالكة لها وخاصة الدول الداعية لغزو العراق والمتزعمة
1– طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد: عبد الرحمان الكواكبي.
والقائدة للحملة الإستعمارية الصليبية الصهيونية على الأمة كلها من خلال فلسطين وأفغانستان والعراق والتي لا تريد لأي دولة أخرى أن تملكها وخاصة حين تكون هذه الدولة عربية.
- وتدمير ما سبق أن وضعته هذه القوى بين يدي نظام البعث في العراق، قبل اختلال التوازن الدولي بسقوط المعسكر الشرقي من إمكانيات وقدرات وبرامج و تقنيات، ومواد ومعلومات لتعزيز قدراته في التصدي للثورة الإيرانية.
- الإطاحة بالنظام المشبع بثقافة المعسكر الشرقي المنهار والمتمسك بها، والذي لم يبد استعدادا كافيا في
المرحلة الأخيرة للتعامل مع الأوضاع الدولية الجديدة، مستندا في البداية الى حليفة الإستراتيجي الإتحاد
السوفياتي الذي نشأت الأزمة في ظله، ومتحرجا في النهاية- مع الغباء السياسي والفشل الذريع في إدارة
المعركة والأزمة بسبب الحكم الفردي- من مراجعة الموقف تحت الضغوط الشديدة التى مارستها عليه الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها من الشرق و الغرب، والشروط المهينة المدعومة والمؤكدة بالقانون الدولي.
- فقد كان من أوكد هذه الأغراض وأهمها- العمل أساسا على محو ذاكرة الشعب العراقي العربي المسلم، التي كان النظام العراقي اللائكي نفسه قد ذهب في ذلك أشواطا ومذاهب شتى. وهو الذي انتهى إلى اختزالها في متحف بغداد ، وحرق المكتبة الوطنية، ولكن ليس بالطريقة الأمريكية واليهودية، وليس لإحلال محلها ذاكرة ثقافية وحضارية صليبية يهودية بالطريقة الصليبية اليهودية، ولكنه فعل ذلك بطريقته الخاصة، فلا هو حافظ على الذاكرة العربية الإسلامية الأصيلة للشعب العراقي، ولا هو انتهى به إلى ذاكرة أخرى وثقافة أخرى راقية ليست ممكنة له طبعا بأي حال من الأحوال، ولا إلى مستوى حضاري آخر. لقد انتهت هذه السياسة الثقافية والحضارية بالشعب العراقي إلى الإبقاء عليه جسدا بلا روح.
إن الذين يذرفون الدموع اليوم عن الخراب الذي طال أكبر رابع متحف في العالم، والمكتبة الوطنية ببغداد بعد سقوطها، بما احتوياه من نفائس التحف والآثارو الكتب والمخطوطات النادرة، كان يجب أن يعلموا أن عملية الخراب هذه كانت قد وقعت منذ أن نجح التحالف الصليبي اليهودي في الصعود بحزب البعث " الغربي" الإشتراكي إلى شدة الحكم بالعراق العربي المسلم،بعد أن أقر حزب البعث العربي الإشتراكي منذ مؤتمر دمشق سنة 1966 النظرية الماركسية مرجعية فكرية وعقائدية له، بما جعل هذا التاريخ الطويل غير ذات جدوى. وبما جعل هذه المكتبة لا تكاد تمت بصلة للإنسان العراقي العربي المسلم، وبعراق البعث العربي الإشتراكي. وكما اغتالت الأنظمة العلمانية و اللائكية ذاكرة الأمة كلها، فقد اغتال البعثيون في العراق ذاكرة الشعب العراقي وأفقدوه إياها، وسلطوا عليه بحكم طبيعتهم الفاشية التى اكتسبوها من النظرية الماركسية واعتمادها منهجا وأسلوبا في الحكم و التربية والثقافة، من العنف والقهر والإرهاب والتصفية الجسدية للمخالف في الرأي، ما أتت على روحه المعنوية بالكامل.
لقد جعل حزب البعث بحكم طبيعة مرجعيته المتحجرة مصير ومستقبل العراق والشعب العراقي بيد " القائد الملهم" المالك للحكمة كلها ، والتى لا يأتي قراراته ومواقفه الباطل من بين يديها ولا من خلفها، بعد أن انتزع من الشعب بعلمائه ومثقفيه ونخبه وفعالياته المختلفة والمتنوعة أي حق في تقرير مصيره، والإهتمام بمستقبل وطنه. ونظرا لسياسة الإختزال المتبعة، والتى يصبح بمقتضاها الوطن مجرد إقطاعية والشعب رقيق أرض، والقائد هو المالك المتصرف في ملكه، فقد كان له وحده ومن هم على رأيه من المستفدين والمتمجدين حق إعلان الحرب، وإمضاء السلام، وحق إبرام المعاهدات ونقضها، وحق إطلاق الحريات التي لم يطلقوها يوما ولا يمكن أن يطلقوها ومصادرتها والتي ظلت مصادرة والتي لايستطيعون ولا يملكون إلا مصادرتها والتي لم يطلقوها يوما حتى يصادروها وهم كما هو معلوم أعداء دائمين للحرية والديمقراطية والهوية العربية الإسلامية الحقيقية للشعب وحقوق الإنسان وأنصار دائمين للدكتاتورية والإستبداد وهم من صناع ذلك ومنتجيه ومصدريه كما هو معلوم لدى من يعرف حزب البعث ونظريته ومنطلقاته وغاياته وأهدافه وفلسفته، وحق تجميد الأموال وصرفها، وحق إعطاء الحقوق وسلبها وهم من لايعترفوا لأحد بحق حتى يعطوه إياه، وهم من ليسوا في حاجة لسلب أحد حقا لأنه لا أحد له معهم حق حتى يسلبوه منه...ويقع تقديم كل ذلك للرأي العام وللشعب على أنه من الحكمة والمهارة السياسية وحسن التدبير لتحقيق الصالح العام ولصالح الشعب والوطن.
يقول عبد الرحمان الكواكبي: " وهكذا يكون المتمجدون أعداء للعدل، أنصارا للجور، وهذا ما يقصده المستبد من إيجادهم والإكثار منهم، ليتمكن بواسطتهم من أن يغرر الأمة على إضرار نفسها تحت إسم منفعتها فيسوقها مثلا لحرب اقتضاها محض الإستبداد، فيوهمها أنه يريد نصرة الدين، او يسرق بالملايين من أموال الأمة في ملذاته، وتأييد إستبداده باسم حفظ شرف الأمة وأبهة ملكها، أو يستخدم الأمة في التنكيل بأعداء ظلمه باسم أنهم أعداء لها، أو يتصرف في حقوق الملك والأمة كما يشاء هواه باسم أن ذلك من مقتضي الحكمة والسياسة"(1) فقد اقتضت الحكمة والسياسة في نظام البعث العراقي للدولة العلمانية اللائكية الحديثة استنادا إلى ثقافة الإستئصال التى هي ثقافة الإستهتار والإثارة والتهميش المفروضة على "شعوب أوطان" العالم العربي الإسلامي، والتى هي كذلك ثقافة الإستخفاف في الطريقة المثلى "للسياسة الفرعونية، التي يقول فيها الله جل جلاله في كتابه العزيز:" فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين"(2) ، أن يقع الزج بالعراق وبالشعب العراقي في أتون حروب متواصلة لا مصلحة إطلاقا له فيها. وليس لها أي مبرر وغير ذات أهداف ولا غايات إلا ما تتحقق به أهداف وغايات الأجنبي وما يخدم مصالحه.
لقد الحقت ثقافة القهر وسياسة الإستبداد أضرارا كبيرة بالشعب العراقي. وقد أستهدف من طرف نظام البعث بمحو الذاكرة وقتل الروح المعنوية والروح الوطنية فيه رغم محاولات الصمود، وتشكل بعض جيوب المقاومة، إلا أن إمكانيات البلاد كان متجها بها كلها إلى تدمير القوى الداخلية المناهضة للإستبداد وتثبيت عرش صدام حسين وزمرته.
1- طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد : عبد الرحمان الكواكبي.
2 - سورة الزخرف:54
وقد ورث ذلك في نفوس الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب القبول بالأمر الواقع. واليأس من الصمود والمقاومة، والإنشغال ببعض ما يمكن تأمينه من المصالح والأنفس والأموال والثمرات ومختلف المنافع الممكنة، في غير اكتراث بما هو واقع توجيه أمر البلاد اليه.
وإذا كان الإستبداد مفسدة للإنسان في طباعه وأخلاقه وتفكيره وماله وعرضه وأرضه ووطنه وحياته ومماته فإن الإستبداد في بلاد الرافدين قد أضاف إلى كل هذه المفاسد وهذا الدمار الذي ألحقه بالإنسان والوطن، جلب الأجنبي باعتماد ثقافته وأنساقه الحضارية، ومرجعيته الفكرية والعقائدية، وبرامجه ومناهجه
ومنظومته الفقهية، ونظامه وتقاليده الادارية...أولا ثم بتوفير كل الأسباب والشروط المناسبة للتدخل العسكري والإقتصادي والسياسي والثقافي المباشر، معتمدا على فشله وإخفاقه السياسي، وعلى إنهاء أي حرارة للحياة في الجسم الداخلي، وعلى إعطاء كل الفرص للمخالفين له للإستعانة بالأجنبي المعادي،على غزو الوطن وإحكام السيطرة على كل مقدراته وثرواته وإمكانياته، والإمعان في إهانة الشعب المهان أصلا وإذلاله، ولا فرق بعد ذلك بين المستبد والخائن والمحتل، وعلى تأجيج مشاعر العداء من الأطراف الداخلية والخارجية المجاورة له، هذه المشاعر التي تطال من ثمة حتى الوطن والشعب أحيانا.
يقول الكواكبي في الإستبداد وانعكاساته ونتائجه السلبية على الإنسان والحياة والوطن..."الإستبداد يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية والأخلاق الحسنة فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها فيجعل الإنسان يكفر بنعم مولاه، لأنه لم يملكها حق الملك ليحمده عليها حق الحمد ويجعله حاقدا على قومه لأنهم عون الإستبداد عليه، وفاقدا حب وطنه لأنه غير آمن على الإستقرار ويود لو انتقل منه ، وضعيف الحب لعائلته لأنه ليس مطمئنا على دوام علاقته معها، ومختل الثقة في صداقة أحبابه لأنه يعلم منهم أنهم مثله لا يملكون التكافؤ وقد يضطرون لإضرار صديقهم بل وقتله وهم باكون. أسير الإستبداد لا يملك شيئا ليحرص على حفظه، لأنه لا يملك مالا غير معرض للسلب ولا شرفا غير معرض للإهانة، ولا يملك الجاهل منه آمالا مستقبلة ليتبعها و يشقى كما يشقى العاقل في سبيلها"(1 )
إن ثقافة الإيمان بالإنسان وحده هي ولاشك ثقافة استئصال الإنسان لأخيه الإنسان، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وابتزاز الإنسان لأخيه الإنسان أكثر مما هي ثقافة الرأفة بالإنسان وحقوق الإنسان، واحترام الذات الإنسانية، والعدل والمساواة والأخوة بين بني الإنسان. وإذا كانت ثقافة الإيمان التى يفترض أن يستمد منها الإنسان الرأفة بأخيه الإنسان من رأفة ربه به، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان من محبة الله لخلقه وعلى رأسها الإنسان ومن محبة الإنسان لله خالق الإنسان والحياة والكون ، وذلك ما يتحقق به ومن خلالها العدل والحرية و لمساواة بين بني الإنسان، باعتبارأن الآلهة عموما، استنادا إلى معنى القوة الذي تحمله في اعتقاد كل أصحاب العقائد المختلفة والديانات المختلفة هي مصدر هذه القيم والمبادئ والكمالات التي يسعد بها
الإنسان. فإذا كانت هذه الثقافة منتجة للإستبداد أو إنتهت إلى وجود ظاهرة الإستبداد أو تحولت إلى ثقافة
ظلم وحيف و ضطهاد واستبداد، فإنه من باب أولى وأخرى أن تكون ثقافة الإيمان بالإنسان وبعقل الإنسان
1- طبائع الإستبداد و مصادر الإستعباد: عبد الرحمان الكواكبي.
وحده، ثقافة حيف وسخرة وتمييز وعنف وبطش وانتزاع للإنسان من أخيه الإنسان إنسانيته . وبناءا على ذلك، فإنه بقدر ما تكون الثقافة إنسانية وبقدر ما تكون أبعد عن الربانية تكون أكثر فسادا وأكثر ظلما وأكثر
إساءة للإنسان. ولا يكون عكس ذلك إلا بما يكون عليه الأفراد والشعوب من حالة الإستنفار المتواصل والجاهزية الدائمة لبذل الجهد والأموال والأنفس من أجل إحقاق حقها وإبطال الباطل الذي يراد تسليطه على أولئك الأفراد أو تلك الشعوب.
هذه الثقافة الإنسانية المادية النفعية التي تم الإقرار على أنها نظريا و واقعيا موضوعيا مختلفة عن الثقافة الدينية الربانية بل و متناقضة معها في أغلب أوجه الحياة إن لم تكن كلها أحيانا. والحقيقة أن هذه المسألة يجب أن تبقى محل نظر ومراجعة وتحقيق. وليست هذه الثقافة في الحقيقة منطلقة من فراغ، ولكنها سليلة ديانات سماوية محرفة متأثرة أيما تأثر بنحل وديانات وضعية قائمة على الخرافة والأسطورة ووالوهم والخيال والدجل...وتعدد الآلهة المتصارعة من خلال الإنسان على النفوذ والقوة والغلبة. وهذه الديانات كلها تؤكد على فصل الدين عن الحياة، واعتبار الحياة مادة وشأنا إنسانيا وطبيعيا لا دخل للديني والغيبي فيه. فهي ثقافة المادة والنفع والطبيعة المنحدرة من رحم ديانات مادية هي الأخرى، بما يعني تغليب الدنوي المادي فيها عن الروحي المعنوي الغيبي أو الغائه أصلا كما في الديانات اليونانية والديانة المسيحية واليهودية وغيرها من المعتقدات الدهرية... التى عرفها التاريخ. فإذا كان العالم الغربي عموما والعوالم المؤمنة به والملحقة به، بحكم افتقارها لماض حضاري، وليس ثقافي – قد استقر أمرها على ثقافة الطبيعة و المادة و الإنسان، و تزعم لنفسها أنها تقيم بناءا حضاريا إنسانيا قائما على مبادئ : الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة والأخوة والأمن والسلام وحقوق الإنسان، فإن الوطن العربي والعالم الإسلامي عموما- وإن كان يبدو منخرطا من خلال الأنظمة العلمانية اللائكية والنخب الداعمة لها في هذه الثقافة، ويريد أن يكون طرفا في هذه الحضارة، إلا أن أزمته في الحقيقة هي أزمة ثقافية في العمق، ولا حلول لمشاكل شعوب الأمة وعالم المستضعفين في الحقيقة عموما، ولا معالجة لأزماتها بدون ثورة ثقافية أصيلة تعيد الأمور إلى نصابها والحقوق الضائعة والمغتصبة لأصحابها.
وفي إطار انخراط شعوب الأمة في هذه الثقافة والتعاطي مع هذه الحضارة من خلال الدخيل، واستبعاد الأصيل، ومن خلال العلمانية واللائكية واستبعاد الإسلام القرآني ، كان النظام العراقي كغيره من الأنظمة الهجينة والغريبة عن شعوب الأمة يحكم الشعب العراقي، وباسمه يدير الحكم، وباسمه ينزل البرامج ويضع الخطط ،وباسمه يعلن الحرب، وباسمه يمضي السلام، وباسمه يحي وباسمه يميت. بهذه الثقافة الهجينة التي لم يستطع أن يكون فيها في مستوى القيادات الغربية في قيادة شعوبها، ولا هو استطاع أن يرتقي إلى مستوي الإسلام ليكون عربيا مسلما أصيلا يحكم بالعدل ويقيم نظام الحرية والشوري والمساواة والأخوة والوحدة كان قوة تدميرية ألحق أضرارا لاتجبر وخسائر لا تعوض بالشعب والوطن.
وبعيدا عن ثقافة الإسلام وقيمة ومبادئه وضوابطه، تكون الحماقات والمنزلقات والأخطاء القاتلة والمبادرات المعتمدة بعيدا عن قراءة حصيفة لموازين القوى وحسابات الربح والخسارة وضوابط النصر والهزيمة. إن الضياع الثقافي الذي تتباه الدولة العلمانية الحديثة والدولة التقليدية المحافظة وتقيمان عليه حياة شعوب هي في أمس الحاجة للنهوض والرقي والتقدم، والفجوة بينها وبين الشعوب والأمم الماسكة بزمام المبادرة الحضارية تزداد اتساعا ووتزداد الأوضاع والأمور تطورا وتقدما في الزمن لغير صالحها، هو الذي جعل هذه الشعوب غير قادرة على إنجاز مهامها في التقدم والرقي والإستقلال والبناء الحضاري. فكيف لثقافة حضارة تذبح فيها الشعوب سواء من طرف أنظمة الإستبداد والنخب المتعزية أو الرجعية الفاسدة أو من طرف الغازي الأجنبي مباشرة بذريعة تحريرها وتقديم الديمقراطية وحقوق الانسان والأمن والإستقرار والسلام لها على طبق من ذهب مبطن بالحرير؟
- كيف لشعوب أمة لم يعرف تاريخها الطويل في الحضارة إلا ثقافة الفضيلة والعفة والعزة والكرامة والحرية والحق والعدل والمساواة بقطع النظر عما وقع فيه من مفاسد وأخطاء و تجاوزات هي في الحقيقة، قياسا لذلك التاريخ الحافل بالإنتصارات والأمجاد والفضائل وتكريم الإنسان بصرف النظر عن دينه أو لونه أو عرقه أو حسبه أو نسبه، لا تعدوا إلا أن تكون استثناء- أن تنسجم مع ثقافة انتجتها عقول أقوام يختلف مناخها الطبيعي والإجتماعي عن مناخها ويختلف نمط عيشها وعاداتها وتقاليدها ونمط تفكيرها عن نمط عيش وعادات وتقاليد ونمط تفكير هذه الشعوب؟ فكيف يمكن أن تنسجم شعوب الأمة العربية الإسلامية صاحبة ثقافة الحضارة العربية الإسلامية مع ثقافة يعطى فيها للشواذ جنسيا حق ممارسة الشذود الجنسي بكل حرية وعلى مرأى ومسمع وعلم من كل الناس، تعترف بالزواج المثلي الذي يعطي الحق للذكر من إبرام عقد نكاح مع ذكر آخر ويتعاشرا معاشرة الأزواج. ويعطى فيه الحق للأنثي أن تعاشر الأنثي معاشرة الأزواج، وتحمي أصحابه، وتكرم فيها المرأة باعتبار الدعارة مهمة ومهنة ووظيفة وعمل شريف وتوضع القوانين والتشريعات لتنظيمها، وينظر إلى ذلك على أنه تطور وكسب تحقق لها يجب حمايته والمحافظة لها عليه؟
- كيف تنسجم هذه الشعوب مع ثقافة بعث المحلات العمومية ورعايتها وإنشاء المواخير التى يتمحور نشاطها حول النساء اللاتي لا اعتراف لهن فيها إلا بالجسد والجسد فقط ، والتي لا غاية "للرجال"أعني للذكور في ارتيادها إلا البحث عن المتعة والنيل من المراة الجسد. هذه المرأة التى أصبح ينظر إليها من خلال هذه الثقافة على أنها جسد فقط ، هي التي يقع الزج بها لتنشيط نوادي الليل والسهرات في النزل والتنشيط الثقافي والسياحي حيث كبار المترفين من سماسرة المال والأعمال والمتاجرين بالأعراض والناهبين لثروات الشعوب،ويصورون ذلك ويقدمونه على أنه إكرام للمرأة واعتراف لها بحقوقها وتحريرها ومساواتها بالرجل؟.
هذا الإنهيار الثقافي الأخلاقي الذي أسست له الدولة العلمانية اللائكية الحديثة، هو الذي جعل بغداد عاصمة الرشيد في بلاد الرافدين تسقط بيد قوات التحالف الصليبي اليهودي الغازية في وقت قياسي. وهذا الإنهيار الثقافي الأخلاقي هو الذي كان وراء سرعة سقوط نظام البعث العراقي، وهو الذي أتى على الروح المعنوية لأغلب قوى وأفراد الشعب العراقي وأضعفها وقضى عليها. هذا الشعب الذي وقع اختزال ذاكرته بفعل الإستبداد والدكتاتورية والفاشية في متحف ومكتبة بغداد الوطنية. هذا الشعب الذي لشدة ما سلط عليه من قهر وإذلال لا يستطيع الواحد منه أن يتجرأ على الكلام عن صدام حسين وزمرته بسوء، أي بما كانوا عليه وبما يعلمونه عليهم، وقد انتهى نظامه الغاشم بسرعة فاقت توقعات كل المراقبين والإستراتيجيين العسكريين والمحليين والخبراء. وسقت بغداد، وسقط " القائد" صدام حسين وزمرته من سدة الحكم، وتنحوا عن مواقع أخذ القرار تحت ظربات قوات الإحتلال الأمريكي البريطاني والقوات المختلفة الجنسيات وكل من دخل معها في هذا الحلف – حلف الفجور- دخولا مباشرا معلنا، أو مساندا وداعما تصريحا أو تلميحا، أو قولا أو عملا أو صمتا، كالأفاعي الهائمة على وجوهها لا يلوون على طائل وبسرعة مخجلة. كان ينبغي أن تجد القوات الغربية، كما كان يتوقع الكثير من المراقبين الإستراتيجيين، وكما كان يتوقع الشارع العربي الساذج، نفسها أمام جيش حقق نصرا على إيران، وأمام جيش غزا الكويت في ليلة واحدة. ولكن سرعان ما تبين أنه جيش كغثاء السيل ، ليس له من القدرات القتالية، ولا من العدة والعتاد، ولا من الروح المعنوية ما يجعله قادرا على مجرد الصمود ولو لوقت قصير.
يقول تعالى:"كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانو فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء و لأرض وما كانوا منظرين"(1)
دخلت قوات جنود الإحتلال الأمريكي- الذي من المعلوم أنهم في غالبيتهم يعانون من الأمراض النفسية والشذود الجنسي، والحرص على الحياة وكراهية الموت- عاصمة الرشيد التى استدار الزمان على نحو من الرداءة لتكون عاصمة صدام حسين التكريتي العربي البعثي في نزهة، وحققت انتشارا سريعا واسعا في أرض العراق كلها. لم تدخل قوات التحالف الصليبي اليهودي بلاد الرافدين بهذه السرعة وهذه السهولة بتفوقها العسكري، ولا بالروح المعنوية العالية التى يتمتع بها جنوده، ولكن الذي فتح لهم أبواب أسوار البلاد من الداخل هو نظام البعث الفردي الإستبدادي الفاشي، وقد أتى على الروح المعنوية ليس للمقاتل العراقي فقط ، ولكن للإنسان العربي المسلم وغيره من مكونات مجتمع الشعب العراقي باختلاف ملله ونحله وألوانه وعقائده وأعراقه وطوائفه... وإذا كانت الروح المعنوية للمقاتل الغربي الصليبي اليهودي ضعيفة، فمهما يكن لديه من التفوق التقنى ومن العدة الكثيرة والعتاد القوي، فإنه لا يستطيع أن يحقق من النصر ما حقق لولا أن الله نزع من قلبه المهابة من المقاتلين العراقيين ومن أبناء أمة العرب والمسلمين جميعا، ولولا أن الروح المعنوية والقتالية للجيش العراقي كانت متراوحة بين الضعف والموت و قد أصبح غثاء كغثاء السيل، وقد أصيب بالوهن والإحباط كما أصيب المواطن العراقي في ظل ثقافة الإستئصال والقهر التى يجريها على الشعب نظام البعث في البلاد بقيادة " القائد الملهم" صدام حسين "قيل وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت"(2) ، وإذا كانت ثقافة حب الدنيا وكراهية الموت أي ثقافة الوهن التى يحذر الله المسلمين منها...هي ثقافة المقاتل الأمريكي والغربي، وثقافة المقاتل والإنسان العراقي الذي من
1– الدخان:من آية 25 إلى 28
2– حديث شريف.
المفروض أنه عربي مسلم ثقافة وأخلاقا، فإن الغلبة تكون حتما هذه المرة للأكثر عدة وعتادا. وقد رأينا ومازلنا نرى أن قوة الروح المعنوية لدى المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي كشمير وخاصة في فلسطين المحتلة وأخيرا في العراق بعد أن تخلصت من قيادة البعث ومن ثقافة البعث، هي التي تتحقق بها الغلبة على الأعداء الذين يعولون على العدة والعتاد، ولو بروح معنوية أقل قوة أو ضعيفة أومنهارة.
إلا أن سرا آخر قد لايعلمه الكثير إضافة إلى المشاكل النفسية والمعنوية والجسدية التي يعاني منها جنود التحالف الصليبي الغربي، والمتمثل في أن من ثقافة الغربي الإستعماري منذ القرن الخامس عشر والسادس عشر أن قياداتهم العسكرية والسياسية والروحية تحثهم على الإلتحاق بالحرب مقابل غسل جرائمهم في دماء المسلمين.
" فقد كتب الراهب" فلوري" واصفا إقبال الناس على تلبية دعوة البابا للإلتحاق بإحدى الحملات الصليبية بقوله:" إن حرب الصليب انتهزها غريقوا الذمة فرصة للتفصي من خلاص ديونهم، والأشقياء للتخلص مما قضت به عليهم جرائمهم من العقاب والرهبان الجامحون لتغيير حالتهم القارة والإنصراف عن ديورتهم، والنساء التائهات للإستمرار بأكثر حرية على التهتك والخناء، ومن هناء يتصور ما كان عليه الصليبيون من إضطراب الحال وارتخاء حبل الأخلاق" إلى هؤلاء و جه البابا " أو ربان الثاني" خطابا يحثهم فيه للإلتحاق بحرب الصليب مقابل غسل جرائمهم في دماء الأتراك المسلمين".(1)
وإذا كان الصليبيون القدامى يتوجهون بالنداء للناس للإلتحاق بالحرب للتطهر من الجرائم التي ارتكبوها أو للخروج من مواقع لا تتاح لهم فيها فرص المتعة المحرمة فإن الصليبيين الجدد يضعون لهذه المسائل إغراءات مادية هائلة لتمديد بقاء الجنود والمرتزقة في جبهات القتال أو الإلتحاق بها، خاصة وأن المبالغ المالية الهامة لا يقع صرفها من خزائنهم، ولكن يقع صرفها من خزائن الشعوب الواقعة تحت نير احتلالهم.
إن الذي أسقط بغداد وأوقع بلاد الرافدين كلها تحت سيطرة قوات الغزو الصليبي في وقت قياسي، هو الإستبداد بالرأي، والإستخفاف بالقوم وقتل الروح المعنوية، وإفقاد الشعب ذاكرته ومحوها، وفرض ثقافة الوهن التي هي ثقافة الإسيبداد، إضافة إلى اختلال موازين القوة العسكرية والمادية والعلمية والتقنية والإستراتيجية لغير صالح شعوب الأمة.
كل هذه المفاسد هي من إنتاج النظام العلماني اللائكي للدولة العلمانية الحديثة وللدولة التقليدية القائمة على ثقافة التقليد والجمود والتحجر الفكري والتعصب المذهبي.
وهذين النظامين القائمين على هذين الثقافتين هما السبب الرئيسي المباشر في هيمنة قوى الإستعمار الغربي الصليبي اليهودي على المنطقة العربية والعالم الإسلامي. وإذا كانت هناك طوائف أخرى ممن كان أصحابها على هذين الثقافتين، وقد التحق بهم وللأسف الشديد البعض ممن من المفروض أن لا يلتحقوا بهم
1– المركزية الغربية –إشكالية التكون والتمركز حول الذات: د.عبد الله إبراهيم.
من "الإسلاميين" قد سلكوا طريق الخيانة والعمالة مثل غيرهم و التحقوا بهذا التحالف الرهيب الحاقد على شعوب الأمة، وكانوا مع الذين يكيدون لها ولا يريدون بها إلا شرا سواء كان ذلك عن قصد منهم أو عن غير قصد، وسواء أرادوا ذلك أو لم يريدوه. وإن كان ذلك اختيارا منهم فتلك مصيبة مهما كان تعبيرهم عن حسن النوايا أما إن كان ذلك اضطرارا فالضرورة تقد بقدرها، فإن كل هؤلاء متقاربون على الأقل إن لم يكونوا سواء في إلحاق الضرر والخسارة والدمار بشعوب الأمة مهما أبدوا من الصدق، ومهما حسنت نواياهم، لأنهم ليس أقل من أن يكونوا قد أعطوا قوى الإحتلال الشريرة ذريعة للتدخل أو استمدت من وجودهم معها ضمن التحالف الرهيب الذي أبرمته شرعية البقاء وشرعية الإمعان في القتل والهدم والإذلال والنهب والتخريب والرعب باسم التحرير والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فحتى وقد انتهى نظام البعث في عراق العروبة والإسلام، والإنسان العربي المسلم فيه- وقد اجتاح الصليبيون الجدد وطنه وأحكموا عليه قبضتهم بالكامل بما يجعل معه عودة النظام العراقي ورموزه إليه مستحيلا- لا يستطيع أن يعلن موقفه الصريح منه. فقد أوردت جريدة الصباح الشديدة الإنتشار في تونس الصادرة بتاريخ 23 الموافق ليوم الاربعاء من شهر أفريل سنة 2003 تحت عدد 17444 نقلا عن جريدة الشرق الأوسط قولها " أنه إذا سألت غالبية العراقيين حول رأيهم في صدام حسين فإنهم سيرفضون في الغالب إجابتهم عن هذا السؤال... فعلى الرغم من أن القوات الأمريكية قد أطاحت تماما بنظام حكمه فإن صدام حسين ما يزال يشكل هاجسا للكثير من العراقيين. إذ أن كثيرين يقولون أنهم لن يتحدثوا عنه حتى في المجالس الخاصة إلا بعد إلقاء القبض عليه أو قتله.... وحتى أفراد قوات الشرطة الذين بدأوا يسيرون دوريات في شوارع بغداد لأول مرة بعد سيطرة قوات التحالف عليها يرفضون الحديث عن صدام بل لا يذكرون حتى اسمه" .
والذي ليس صحيحا، أن تكون الأوضاع الأمنية والإقتصادية والسياسية الصعبة التى يعيشها الشعب العراقي في ظل الإحتلال مبررا كافيا للقول إنه كان أفضل منها في ظل حكم عصابات البعث بقيادة صدام حسين، لأن الذي لا يجب القبول به من القول أنه ليس أمام الشعب العراقي إلا أن " يقبل بتقبيل الأفعى أو السقوط بالبئر"كما يقال. وليس صحيحا كذلك أنه ليس أمامه إلا الإختيار من الرداءة ومن السوء والأشد سوءا والأسوأ، ولكن أمام الشعب حين يريد أن يستعيد حريته وكرامته وسيادته الكاملة على أرضه خيارات أخرى، وإن كانت تستغرق وقتا أكثر ويقدم فيها من الأموال والدماء والأنفس أكثر. وعلى الشعب العراقي أن يخرج من هذه الآفاق الضيقة في التفكير، إلى ساحات أرحب حتى يفوت الفرصة على الذين مازال لهم حنين للدكتاتورية والإرهاب والإستبداد والطغيان من مواقع المستفيد استفادة شخصية فردية أو فئوية أو قبلية أو عشائرية، أو من مواقع التهميش والإستقالة، أو من مواقع القابل بالإستجارة من الرمضاء بالنار،وكأن النار والرمضاء قدرا مقدورا عليه ولا مكان للمرء إلا بين هذه وتلك.
وإذا كان الشعب العراقي اليوم بين ثلاثة أطراف أحسنها سيئا، فإن عليه أن لا يقبل بأي واحد منها، وأن يبحث لنفسه عن طريق الخلاص والحرية والإستقلال بعيدا عن كل هذه الأطراف المعلومة المشبوهة
والمعادية. فإذا كان الشعب العراقي اليوم محاطا بثلاثة أعداء رئيسيين متمثلين في:
1-النظام العراقي الفاشي.
2-العملاء والخونة المتحالفين مع قوات الإحتلال ويروجون لها على أنها قوات تحرير كما يروح لها في منطقة الخليج على أنها قوات معاهدين لإضفاء الشرعية على وجودها وعلى الجرائم التى ترتكبها في حق الشعوب والأوطان في المنطقة.
3- وقوات الإحتلال الصليبي الغربي بقيادة أكبر نظام فاشي إرهابي عنصري أمريكي، ومن يصاحبه من أجهزة إستخبارات مختلفة، ومن عصابات للنهب والتخريب والتهريب تستبيح البلاد شرقا وغربا وجوفا وشمالا وجنوبا بتواطئ مع هذه القوات.
فعليه أن يتبرأ من كل هذه الجهات، وأن يسلك الطريق الأصعب، طريق المهمات الصعبة، لأن تلك هي طريق العز والنصر والتحرير، طريق الشهامة و الفخر والشهادة، طريق الخلاص والإستقلال.
وبثقافة الشهادة والإستشهاد، ثقافة الحق والعدل والحرية، ثقافة الفضيلة والعفة والتقوى ونكران الذات وحب الوطن والأهل والأمة والإنسان، والتوق إلى ملاقات الله شهيدا، على أبناء شعبنا في العراق وفي كل وطن محتل من أوطان شعوب الأمة، احتلالا مباشرا أو غير مباشر أن يسلكوا طريق المقاومة الجادة الشريفة ، التى من حقها أن تستهدف الغزاة والمستبدين والخونة والعملاء ، وكل من ثبت تورطه في ارتكاب جرائم بشكل أو بآخر في ظل النظام السابق ببلاد الرافدين وفي ظل كل نظام فاسد من الأنظمة الكثيرة الفاسدة بالعالم العربي والإسلامي، وكل من يشتبه أو يثبت تورطه في الحاق الضرر بالشعب ومكتسباته ووطنه من أي جهة استخباراتية أو مافيوزية كانت، أو لفائدة أي جهة من الجهات المعادية للشعب والوطن والأمة، وأن تركز عملها العسكري بكل الإمكانيات وبكل أنواع الأسلحة الممكنة على الوجود العسكري لقوات التحالف الصليبي المحتل وأن تلحق ذلك بعمل اجتماعي وثقافي وتربوي تعبوي وسياسي واقتصادي وإعلامي مستعينة في كل ذلك بكل الجهات المخلصة والوطنية الأصيلة من كل أبناء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها.
إن من استراتيجيات الغرب الإستعماري الصليبي، الخل الودود للكيان الصهيوني في أرض العرب والمسلمين المحتلة، سواء في فلسطين أو الشيشان أو كشمير أو أفغانستان أو العراق أو غيرها بقيادة الإمبراطورية الأمريكية بعد إنتهاء الحرب الباردة مع المعسكر الشرقي، العمل على إنهاء أي وجود لبقايا عملاء الإتحاد السوفياتي سابقا أو ممن مازال لهم حنين إليه لقطع الطريق أمام أي عودة محتملة للأنظمة الشمولية الفاشية ذات الميول أو المنازع أو الأصول الإشتراكية أو الماركسية اللينينية الشيوعية أولا ثم الشروع في حرب استباقية ضد الإسلام والمسلمين وهي المعركة الأكبر والأخطر ثانيا.
فلم يعد يرضي أمريكا ولا الغرب عموما أن يبقى على وجه الأرض بعد سقوط المعسكر الإشتراكي الوجه الآخر للثقافة والحضارة الغربية المؤصلة في الثوراة فقط ، مقابل الأصول المشتركة الثوراتية الإنجيلية للثقافة الليبرالية العلمانية للعالم الرأسمالي الحر، في تخطيط أمريكي غربي يهودي لفرض الخيار الثقافي والحضاري والديني اليهودي الصليبي بالقوة العسكرية ، مثلما فعلت أوروبا في بداية اجتياحها لبلاد العرب والمسلمين وغيرهم من المستضعفين في العالم في حملتها العسكرية الإستعمارية التى، وإن ذهبت لإنهائها عسكريا، فإنها مازالت متواصلة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا واحتياطيا جدا وعند الإقتضاء وأمام إلحاح الضرورة فهو مستعد دائما للحل العسكري ضد كل من تحدثه نفسه أن لا يكون على غير الطريقة الغربية المثلى،أي على طريق الرأسمالية المتوحشة،وعلى مذهب الإقتصاد الحر ونظام اقتصاد السوق والديمقراطية الغربية شريطة أن تكون مزيفة سواء من الإسلاميين ومن حركة التحرر الإسلامي في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين ،أو من هو على الوجه الآخر لثقافة الحضارة الغربية ممن مازال على لائكيته متأثرا بالتوازن العالمي الذي كان، والذي مازال ربما يأمل أن يعود، ومن لم يقبل بأن انتهاء الحرب الباردة على النحو الذي كانت دائرة رحاها عليه بين معسكري الغرب قد أصبح أمرا واقعا، وأنه لا أحد له الحق في أن يرى ما لايرى الغرب الأوروبي الأمريكي اليهودي، تأكيدا للمركزية الغربية على الوجه وعلى النحو الذي تأسست وتطورت عليه قبل الإضافة الماركسية اللينينية.
إن الذي لا شك فيه أن حرص الغرب على فرض خيار ثقافي حضاري واحد، هو خيار استراتيجي، وهو يأتي في أولى اهتماماته، وهو الذي يتحقق له به السيطرة والتفوق والهيمنة المطلقة، ومن ثمة ضمان كل مصالحه. ومن هذا المنطلق، ومن هذا الفهم لحقيقة وطبيعة الغرب نؤكد إن غزو التحالف الصليبي الغربي لبلاد الرافدين ليس الهدف الأساسي الإستراتيجي منه هو الإستلاء على ثاني احتياطي نفط في العالم، ولا نزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي كان الغرب يعلم يقينا أنها غير موجودة والتى تبين أنه لا وجود لها. ولا إنهاء الخطر الذي يتهدد أصدقائهم من جيران العراق، ولا تحرير الشعب العراقي وإقامة الديمقراطية ومنح الحرية وضمان حقوق الإنسان وإصلاح الأنظمة والحياة السياسية بمنظقة الشرق الأوسط الكبير كلها كما تزعم أمريكا وكما لا يخالفها الغرب عموما في ذلك ولا يختلف معها فيه، ولكن الهدف الأكبر هو تحطيم البنى التقليدية للنظام العراقي على لائكيته وللشعب العربي المسلم وفرض الخيار الثقافي والحضاري الغربي على قاعدة الإستبداد سواء العالماني منه أو التقليدي الذي يحصل من خلاله على كل ما يريد وبدون أتعاب ولا خسائر في مواجهة الخيار العربي الإسلامي الأصيل الزاحف.
وقد جاء في ذلك القول: "إن أبرز ما قررته المركزية الغربية هو قولها بالخصوصية المطلقة لتاريخ الغرب الذي أنضجته عوامل خاصة وداخلية وأثمر عن حضارة غنية ومتنوعة ثم التأكيد على أن المجتمعات التى تريد أن تبلغ درجة التقدم التى وصل اليها الغرب ليس أمامها إلا الأخذ بالأسباب ذاتها التى أخذ بها الغربيون وليس أمام تلك المجتمعات إلا التخلص من خصوصياتها الثقافية لأن تلك الخصائص هي المسؤولة عن تخلفها وهي المعيقة لتطورها و بهذا لم تقف المركزية الغربية عند حدود تقديم رؤية للعالم بل تقدمه بمشروع سياسي على صعيد العالم هو : مشروع تجانس الإنسانية المستقبلي من خلال تصميم
النموذج الغربي"(1) ، يقول توينبي في ما تهدف إليه الحضارة الغربية هو:" جمع العالم الإنساني كله في
مجتمع كبير واحد و السيطرة على كل شيء فوق هذه الأرض وفي البحار والأجواء التى تصل اليها
الإنسانية عن طريق التقنية الغربية الحديثة"(2)
إن الذي لا شك فيه أن الذي جاءت قوات الإحتلال من أجله غازية للعراق وللمنطقة هو فرض النظام الغربي والثقافة الغربية بالطرق والأساليب الغربية ولكن في إطار الإستبداد دائما. وإنما يأتي هذا الهدف على رأس كل مازاد عنه من الأهداف التى لا تتحقق في الحقيقة إلا به. ذلك أن الجذور التاريخية للثقافة الغربية إنما تقوم على استئصال الآخر المخالف ثقافيا وعقائديا وحضاريا وعرقيا.
" من ذلك ما يورده مؤرخون ثقاة مثل " لاس كاساس" الذي عاصر كثيرا من الأحداث وكان شاهدا على بعضها، منها هذا المقطع الماخوذ من تقرير رسمي:" قابل مسيحيون هندية كانت تحمل بين ذراعيها طفلا تقوم بإرضاعه، وبما أن الكلب الذي كان يرافقهم كان جائعا فقد انتزعوا الطفل من بين ذراعي الأم ورموه إلى الكلب الذي أخذ ينهشه تحت بصر الأم".
"و في هذا السياق يورد " لاس كاساس" في كتابه تاريخ جزر الهند الغربية" هذا الحدث الذي كان شاهدا عليه لأنه كان المرشد الديني لحملة "ناربايث التي فتحت "كوبا" وهي الحملة التى ارتكبت المجزرة الشهيرة "مجزرة كاوناو" يقول " كاساس" واصفا ماترى عيناه: " يصل الإسبان في صباح أحد الأيام إلى مجرى أحد الأنهار الجافة إذ لم يبق سوى غدران ماء صغيرة غاصة بحجر الصوان وفيما هم يفطرون جاءتهم فكرة شحذ سيوفهم ثم غادروا المكان ناحية قرية مجاورة وهنا راودتهم فكرة التثبت فيما إذا كانت السيوف قد شحذت جيدا أم لا " فجاة يستل إسباني السيف وسرعان ما يحذو المائة الآخرون حذوه ويشرعون في تمزيق أحشاء وقطع وذبح هذه الشياه والحملان من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ الذين كانوا جالسين هادئين يتفرجون في عجب على جياد الإسبان وفي ثوان محدودات لا يبقى على قيد الحياة أحد من جميع أولئك الذين كانوا موجودين هناك ولدى دخول الإسبان بعد ذلك إلى البيت الكبير الذي كان مجاورا لأن ذلك كان يحدث أمامه يشرع الإسبان بالمثل عن طريق الطعن والقطع بقفل جميع من كانوا هناك حتى سال الدم في كل مكان كما لو أنه جرى ذبح قطيع من الأبقار " ويعلق " كاساس" مفسرا الأمر على أنه مجرد رغبة للتحقق من أن السيوف قد شحذت شحذا جيدا وسيجد هذا المؤرخ المبشر نفسه في موقف لا يحسد عليه. ففي مذبحة " كاوناو" يبقر إسباني بطن هندي شاب بحسام أحرب فتندلق أمعاءه على الأرض وفي ماهو يحتضر جاءه " كاساس" ملحا أن يعمده ليذهب إلى السماء ويحيا مع الرب وفيما يقوم القس كاساس" باجراءات التعميد يخر الهندي الشاب صريعا. إن كاساس وحده يختزل حياة الهندي إلى مجرد الحصول على الخلاص الذي سيظل يمارس فعاليته حتى لحظة الموت"(3).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.