هل أضحت الحسابات من العوامل الأساسية لاختيار شريك الحياة؟ وهل غيرالمجتمع الاستهلاكي الذي نعيش داخله مقاييس اختيار الزوج او الزوجة ؟ واي تاثير للانترنات على ربط او قطع العلاقات ؟ تونس-الشروق: مقاييس اختيار الزوجة تغيرت مع تغير النمط المجتمعي حيث كانت زمن ظهور الاسلام مرتبطة بالمال والحسب والجمال والدين بينما يؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم على المقياس الاخير كافضل مقياس للنجاح في العلاقة الزوجية وتغيرت معايير الاختيار مع ماجلبته ثقافة التنوير الغربية من بروز الرومانسية وايلاء العاطفة الاهمية القصوى فصار الحب اولوية الاولويات وسجلنا حالات انتحار وقتل بسبب منع الزواج بين العشاق وبرزت خلال العشريتين الاخيرتين ظاهرة الزواج بناء على المصالح وتراجع عامل الحب ليصبح «حكاية فارغة» واصبحت المادة هي الاساس لتكوين "شركة " . ويعود هذا التحول الى عدم قدرة الرجل بمفرده على اعالة الاسرة وتلبية حاجيات افرادها العديدة والمكلفة فاصبح يخير امراة ميسورة ولها عمل قار وسيارة وشقة او العزوف عن الزواج عوض توريط نفسه وتوريط زوجته في علاقة مستحيلة في عصر طغت فيه المادة كما اضحت المراة متعلمة ومستقلة ماديا بما يجعلها في غنى عن الزوج وماله وتعتبر ان الزواج هو مؤسسة تحتاج الى شراكة فاعلة من الطرفين وان تاخذ على عاتقها نصف النفقات . وفي هذا الاطار يقول الخبير الدولي في العلاقات الإنسانية و الأسرية حمزة ضي انه :»لا يشك إثنان في أن الحب أمر ضروري في الحياة و كذلك من أهم مصادر السعادة في حياتنا اليومية إن كان بين أفراد العائلة الواحدة أو مع كل من نتواصل معهم ، إذن مادام الحب بهذه الأهمية في حياتنا فمن المنطقي أن يكون الحب أحد المقومات الأساسية للزواج الناجح و السعيد» واستدرك قائلا:» لكن للأسف فالكثير من الرجال و النساء في تونس تغافلوا عن العلاقة بين الحب و الزواج في ظل تغير المفاهيم و تغير الغاية و الهدف من الزواج ، حيث أصبحنا نرى أن المصلحة و المكاسب المادية هما أساس كل زواج و النتيجة مكاسب مادية وقتية و فشل و خسائر على جميع المستويات ولعله من أبرز الخسائر التي يمكن ذكرها وفقا لرايه ضياع الأبناء فنرى تضاربا و تناقضا تربويا مما يؤدي إلى ضعف في شخصيتهم و فقدان ثقتهم بأنفسهم و ذلك لغياب قدوة حقيقي في الأسرة و من الخسائر المهمة كذلك الحرمان من الشريك الحقيقي الذي يشعرك بالأمان و الإحتواء و السند و بالتالي اللجوء إلى إقامة العلاقات خارج إطار الزواج أو ما يسمى بالحياة المزدوجة و هو من النتائج التي غالبا ما تلحق هذا النوع من الزواج و بالتالي الوصول إلى صراعات و صدامات مع الشريك و غالبا ما يتوج هذا النوع من الزوج بالطلاق.. أسباب زواج المصلحة وحول اسباب زواج الحسابات و المصلحة أو ما يسمى كذلك زواج الصفقات قال:» من أهم الأسباب الهروب من واقع يومي معين أو الخوف من تأخر سن الزواج و كذلك الظروف الإقتصادية لكل طرف و في الجانب الآخر يكون السبب التباهي و التفاخر بين الأهل و الأصدقاء، و من أبرز أسباب هذا النوع من الزواج نجد تدخل الأهل في اختيار الزوج أو الزوجة و فرض شروط مجحفة و كثيرة يكون أساسها الربح المادي و بالتالي تكون نتائجه وخيمة على كلا الطرفين و في كثير من الحالات يكون الطلاق سريعا في هذا النوع من الزواج واشار الى ان آراء الآباء و الأمهات مهمة لحياة أبنائهم لكن يجب أن تكون اختيارية و ليست إجبارية. واعتبر محدثنا ان كل زواج ناجح ناتج عن علاقة مبنية على الحب ويسودها الانسجام والتفاهم والرغبة في ارضاء الطرف الآخر وفي تلبية احتياجاته المختلفة، فهناك دائما في القلب غاية يسعى المحبون للوصول إليها وقد يفعلوا المستحيل لإبقاء مشاعر الحب متوهجة دائما، فللحب لذة لا يستطيع المحبون الإستغناء عنها .. و من أهم نتائج هذا النوع من الزواج ، التنازلات بين الطرفين في حال وقوع أي مشكل داخل الأسرة فالحب يقوم على تقديم التنازلات عن طيب خاطر لإرضاء الطرف الآخر و لاستمرار الحياة بشكل طبيعي و هادئ... وخلص الى القول بان الزواج هو تجربة إنسانية مثلها مثل أي تجربة إنسانية أخرى تحتمل النجاح أو الفشل لكنها تتمتع ببعض الخصوصيات والامتيازات حيث نجدها تقوم على العاطفة والعقل معا، بمعنى ان الحب مفيد و مهم جدا لبناء الزواج لكن كذلك هناك معطيات يجب أن نحكم العقل فيها مثل أن يكون أول أسس الزواج و أسس الاختيار هو وجود توافق فكري بين الطرفين و توافق على مستوى سمات شخصية كل طرف ، و في بعض الأحيان يتطلب تقاربا عمريا بين الطرفين. وختم بان الحب مهم لبناء كل علاقة زواج و هذه المعطيات مهمة لاستمراريته. مكره لا بطل في ظل التدهور الاقتصادي والتحولات الاجتماعية المتسارعة اصبح مرور المقاييس الاساسية للزواج من العاطفة الى المادة أي من الحسي الى الملموس مسألة ضرورية جدا اذ يعاين المقبلون على الزواج معاناة المتزوجين من تدهور المقدرة الشرائية وصعوبة توفير مستلزمات الحياة وعدم القدرة على توفير الحاجيات الاساسية للابناء والدخول في دوامة التداين وكل هذه العوامل جعلت المقبل على الزواج رجلا او امراة مكرها لابطل وليس لديه خيار الا اعتماد الحسابات وفي تقديري مع كل ذلك يجب ان توفر حد ادنى من العاطفة تجاه الاخر لضمان الاستمرارية وبالعيش الثنائي المنسجم يمكن ان يتحقق الزواج الناجح. الأستاذ طارق بالحاج محمد أخصائي في علم الاجتماع ل«الشروق» .. تحوّلات في القيم وفي الأولويات قال الاستاذ طارق بلحاج محمد اخصائي في علم الاجتماع ان الزواج يعتبر من أقدم وأعرق وأقدم المؤسسات الاجتماعية.إذا نظرنا له من زاوية أخلاقية نقول إنه رباط مقدس،وإذا نظرنا له من وجهة نظر علم اجتماع نقول عنه أنه مؤسسة تجمع بين شخصين تربط بينهما علاقة وجدانية في إطار اجتماعي مقبول وشرعي،وإذا نظرنا له من وجهة نظر قانونية نقول إنه عقد تترتب عليه التزامات.والسؤال المطروح هو:ما الذي يجعل هذا الرباط وهذه المؤسسة وهذا العقد عناصر تعجز عن الاستمرار بحيث نصل إلى الطلاق وفض هذه الشراكة أو العيش تحت سقف واحد ولكن لكل عالمه الخاص به؟ واضاف الاستاذ انه بحكم التحديث والحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي كان نتيجة تعميم التعليم ونشره منذ الاستقلال.وبعد أن أصبحت حياتنا أكثر تعقيدا وضغطا وصعوبة تغيرت أولوياتنا وقيمنا ونظرتنا لأنفسنا وللحياة وللزواج.تراجع زواج القرابة وحل محله الزواج المختلط وتغيرت النظرة إلى الزواج من كونه مشروع الحياة إلى مجرد محطة في الحياة وتحولنا من مفهوم الزواج كرابطة إلى الزواج كمؤسسة وعقد قانوني.وضعية غابت فيها الفلسفة التقليدية لبناء أسرة وغابت فيها أطراف ووسائل الوساطة العائلية والاجتماعية التقليدية إلى درجة أصبح الإحساس السائد لدى المتزوجين علاقة منخرط بمؤسسة ليس أكثر. واوضح ان الزواج تحول من منطق تبادل المنافع الدائمة (عاطفية-نفسية) إلى مجرد تبادل المصالح (وهي اقتصادية ومادية بالأساس).وحتى وان توفر فيه منطق التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي فعادة ما يغيب عنه الالتزام على قاعدة القواسم الثقافية والنفسية المشتركة التي تؤسس لمشروع حياة مشترك بين الطرفين.وبالتالي غاب مفهوم الزواج الآمن حيث أصبح تجربة محفوفة بالمخاطر ويخيم عليها كابوس الفشل في كل وقت وحين.فأغلب الزيجات اليوم تغيب فيها عناصر الالتزام والمثابرة والاستثمار الجيد للقدرة والوقت والطاقة والإمكانيات والتخطيط لحياة مشتركة تمتد على عشرات السنين لتحقيق أهداف مشتركة ما كان يمكن تحقيقها بشكل منفرد.ومع حالة الانفجار في الآمال والتطلعات والإقدام على الزواج بانتظارات كبيرة والاعتقاد أنه خطوة يمكن أن تحل جميع مشاكلنا في الحياة،تصيب غالبية الأزواج الجدد خيبة أمل كبيرة تدفعهم إلى الطلاق.كما أن الثقافة الحضرية(ثقافة المدن) يغلب عليها طابع الفردانية والأنانية ويطغى فيها الطابع المادي والقانوني على العلاقات مما يجعل شرائح واسعة من المجتمع غير متمسكة كثيرا بمؤسسة الزواج ومستعدة للتضحية بها في أول أزمة تعترضها. واكد انه في مجتمع استعراضي يقدس المظهر أكثر من الجوهر،ويعطي الأولوية للصورة أكثر من المشروع ويشترط الوليمة قبل العزيمة ويدعو للحق وهو ليس من أهله ويدعي الحكمة وهو ليس منها في شيء،وتحكمه النزوة أكثر من الجدوى ليس غريبا أن نجد فيه طيفا كبيرا من الأزواج يتورطون في مغامرة البعد لاعتبارات اقتصادية ثم يجدون أنفسهم عاجزين عن إدارة هذه الوضعية بنجاح. واعتبر ان الزواج الناجح هو حسن التصرف في المال والمشاعر والزمن والبرامج المستقبلية بحيث تكون مقسمة إما بالتساوي أو بالتشارك بين الطرفين وهذه المعطيات والشروط غير متوفرة اليوم في أغلب الزيجات فلا نستغرب أن تنحو مؤشرات الطلاق اليوم نحو الازدياد والارتفاع المستمرين بشكل يهدد الأمن والسلم الاجتماعيين.