عند الحديث عن مفهوم "الاستراتيجيا" نجد أن له دلالة عسكرية، حيث اعتبرت الاستراتيجيا فنا من الفنون العسكرية يعنى بوضع الخطط المناسبة لاعداد الحروب وحماية العسكر... ثم خرج المفهوم الى مجالات أخرى ليصبح مجموعة من المبادىء والقواعد ترتبط بمجال معين وتساعد الأفراد في اتخاذ القرارات المناسبة بناء على خطط دقيقة لتحقيق نتائج ناجعة وانطلاقا من هذا التعريف الموجز للاستراتيجيا نطرح هنا سؤالا يتعلق بمجال الثقافة وخاصة المهرجانات الجهوية والوطنية والدولية بتونس والعناصر المكونة لها : كيف تعمل المهرجانات وما الايجابيات والعراقيل المرتبطة بتنفيذ برامجها ؟ لا شك أن المهرجانات تحضى بدعم من المال العام وكذلك الخاص وهي مناسبات توفر فرص الترفيه للناس وأصبحت بعضها جزءا من الموروث الثقافي الجمعي للاحتفال وإحياء الذكرى والتاريخ... ومنها ما يشتغل في اطار جمعيات ثقافية وشركات إنتاج ومنها أيضا ما تشرف عليه لجان تبعث في الغرض من طرف الوزارات وخاصة وزارة الشؤون الثقافية مباشرة او عبر مندوبياتها الجهوية...غير أن هذه المهرجانات منها ما يعاني من التذبذب في الاختيارات والبرمجة وغياب الاهداف الواضحة والمعلن عنها للرأي العام وانعدام الثقافة التقييمية والتنموية. لذلك نجد أن المهرجانت أصبحت تركز في نسبة كبيرة من برامجها على فكرة الاحتفال والاستهلاك والطرب ...على حساب قيم الجمال والانسانية والمواطنة، وهو ما لا يثير دافعية جزء كبير من الجمهور في مزيد الاهتمام، دون الحديث عن الانفلات الكلي من تقييمها من طرف الجمهور ذاته. كما ان فكرة الربح والتجارة والجري وراء الاسماء الاستهلاكية التي تغزو الشاشات، والخوف من إرهاق أرصدتها المالية واعتماداتها والرغبة في مزيد التحصيل المالي، أثر سلبيا على صورتها الحضارية والتنموية. لذلك وجب التفكير جديا في الجدوى من المهرجانات والغايات التي تقام من أجلها، وأمام تحديات الشعب التونسي في مواجهة التطرف بأشكاله والارهاب بأشكاله والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يواجهها شبابنا اليوم، وجب الحذر كثيرا عندما نقيم مهرجانات تكاد تكون برامجها تعاني انفصاما كليا مع واقعها، ولعلّها في كثير من الاحيان تنتج الرداءة والانزياح عن قيم أسسنا لها في قوانينا ودساتيرنا ومدارسنا وعائلاتنا. وعلاوة على ذلك لابد من التفكير جديا في إرساء منظومة عادلة تعطي الاهتمام للتمييز الايجابي للجهات ودعمها تنظيميا وماليا وخاصة منها المناطق الحدودية والتي عانت ميزا تنمويا في كل المجالات وخاصة في الثقافة. كل ذلك يحيلنا على نقص واضح وجلي في تخطيط وزارة الشؤون الثقافية والسلط المحلية لمسألة هامة جدا وهي رسم استراتيجيات ثقافية للمهرجانات بتونس. * مخرج مسرحي ومتفقد تربية مسرحية