الانتساب له وجوهه العديدة وهو حقيقة ثابتة بُني عليها الكون وحاجة ضرورية لتسيير شؤون الانسان. وإن كانت الشمس تنتسب الي الأرض فهي تضيؤها بكفاءة عالية، ون كان القمر يحمل نفس الانتساب فهو ينير الظلام دون كلل أو ملل. وحدها الممارسة الايجاية تجعل الانسان أهلا للانتساب وهي بمثابة الميزان لأعماله الصالحة ولأكبر دليل على ذلك قول اللّه تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)﴾. والممارسة الصالحة هي التفعيل للانتساب، التفعيل المفيد الذي يخدم صالح الإنسان. ولذلك وجب علينا الذي أن نملأ ميزان الانتساب بالعمل الجليل الذي يستحق فالزوجة متى انتسبت لزوجها أخلصت له وسعت لإسعاده وذلك بالقيام بواجباتها الزوجية والعائلية على أحسن وجه... وكذلك الأمر بالنسبة الى الزوج المطالب بالإنفاق على أسرته ورعاية شؤون أفرادها، ويتمثل الانتساب في هذه الحالة في عقد القران الذي يمضى عليه الزوجان راغبين في الانتساب لبعضهما البعض. أما انتساب الأبناد لآبائهم وأمهاتهم فهو حماية وفخر لهم وشعور بالهوية، هذا الانتساب المقدّس يضعهم أمام حقيقة وهي طاعة الوالدين واحترامهم والرأفة بهم وهكذا تتحقق الممارسة الرائعة بما فيها من حبّ وتعاون بين الجميع. والانتساب ليس لفظا نتشدّق به ونفخر وإنما هو مسؤولية جسيمة وجب علينا القيام بها على أحسن وجه. الانتساب قدر والانتماء اختيار وعندما يلتقي الأول بالثاني تكبر المسؤولية في أن نقدم أكثر وأن نعطى أكثر. والانتساب للوطن أمر في غاية الأهمية والقداسة وإنما يسأل الواحد منا من أين أتى؟ وابن من؟ إن انتسابنا لأوطاننا كانتسابنا لأمهاتنا وآبائنا، إنه يختارنا ولا نختاره ويحبّنا أكثر من أن نحبّه. عندما لا نعطي الانتساب ما يستحق من الحب والاهتمام والاكبار نتوه ونضيع ونبتعد عن الطريق التي تأخذنا الى السلامة والسعادة، فعندما نقدم للمحتاج مساعدة بسيطة ونقول له كلمة طيبة نكون مارسنا الانتساب للإنسان على أحسن وجه. والانتساب للوطن هو مسؤولية عظمى نحملها على عاتقنا لإرضائه وردّ للجميل، جميل احتوائه إلينا وحمله لنا على كفوفه. فالتعاون ممارسة والتطوع ممارسة والتبرّع ممارسة والرأفة بالضعيف والمحتاج ممارسة ويظل الانتساب من أروع ما منحته لنا الطبيعة. فالانتساب الواحد منا الى أمّ وأب وإن كانا فقيرين، هنا مصدر للسعادة والشعور بالرضا والاطمئنان وانتسابنا لوطن وإن كان مستعمرا يجعلنا نفخر به ونعود إليه كما تعود الطيور الى أعشاشها. وهكذا نلمس رونق الانتساب وبداعته وحكمته ودوره الفعّال في تنظيم حياتنا وإعطائها معنى وجدوى. وكلما غاب الانتساب حل الضياع فالطفل الذي أنجبته أمه من أب مجهول هو بالتأكيد حالة غير عادية وخروج رهيب عن نسق الحياة المقدس ورفض من طرف المجتمع ونبذ له ولذلك أكد الله على ضرورة الاشهار بالاقتران والاحتفال بالانتساب وهكاذ تتجلّى وبكل وضوح أهمية الانتساب في حياة الانسان وتتأكد ضرورته في حياتنا لأنه يمثل الحماية والتوازن، أما انتساب الانسان لربّه فإنه شامل وعظيم، كلنا أبناء اللّه وكلنا ننتسب إليه رغم تنوع ألواننا وأدياننا... ألسنا نعيش تحت سماء واحدة ونحيا على أرض واحدة وساعة الضّيق نلتجئ الى له واحد، إذا وجب علينا أن نمارس انتسابنا الى الله بالمحبة لبعضنا وتقوى واجتناب الحروب لأسباب واهية. ولكن ماذا نقول في أولئك الذين يستهزؤون بمسؤوليتهم إزاء انتساباتهم ويأتون الممارسات الرديئة وهم كثّر إنهم أولئك الخائنون لأوطانهم المتمرّدون على اللّه... والأكيد أن لعنة الإخلال بالممارسة المطلوبة منهم وليظل الانتساب حقيقة ثابتة لا تتأثر بجحود الانسان وظلاله.