أبرزت المعطيات الأولية التي قدّمتها الهيئة المستقلة للانتخابات أمس حول القائمات المترشحة للانتخابات التشريعيّة صورة معبّرة عن المشهد الحزبي في بلادنا بشكل يساهم في رصد أحجام مختلف الأحزاب في انتظار فرز قادم بمناسبة إعلان نتائج الانتخابات. فمن ضمن 221 حزبا مسجلين في سجل الأحزاب لدى مصالح رئاسة الحكومة لم تتمكن سوى 10 أحزاب من التقدّم في جميع الدوائر الانتخابية في حين لم تتقدّم 175 حزبا سوى بقائمة وحيدة فيما قدم 25 حزب أكثر من قائمة انتخابية، في حين غابت البقية من الأحزاب (11 حزبا) عن المشاركة. الانتخابات التشريعية، بجميع مراحلها، ستكون بمثابة الغربال لفرز الأحزاب من حيث أحجامها وقدرتها على الانتشار والتعبئة الجماهيرية ولاحقا القدرة على الحصول على مقاعد في مجلس النواب ومعرفة فاعليتها في السلطة أو المعارضة. الطفرة الحزبية في تونس متواصلة منذ الثورة، ولئن اعتبرها كثيرون طبيعية بحكم واقع القمع والاستبداد الذي كانت تعيش فيه البلاد لأكثر من خمسين سنة، فهي اليوم باتت تطرح أكثر من سؤال لأنّها طفرة دون فاعلية ودون نجاعة وتخفي الكثير من الأسرار حول نوايا مؤسسي هذه الأحزاب. وفيها أيضا مخاطر على الثقافة السياسية الديمقراطية المبنية على الأحزاب وتداولها السلطة في ما بينها وتشكيلها ثنائية الحكم والمعارضة، كما أنّها طفرة تشي بممارسة سياسية باتت مهيمنة تستهدف ترذيل الأحزاب والعمل السياسي عموما وجعل العمل الحزبي مرتهنا الى الحصول على باتيندة لتحقيق المصالح والمضاربات ومختلف ضروب السمسرة والفساد السياسي والمالي. الأمر يحتاج الى وقفة تأمّل، خاصة وأنّ نفس معطيات القائمات المترشحة للتشريعية تثبت تواصل ظاهرة المستقلين والذين اجتاحوا هذه الانتخابات بأعلى عدد يناهز ال707 قائمة متجاوزين العدد الجملي للقائمات الحزبية، بما يؤكّد عجز الأحزاب عن احتواء هؤلاء المستقلين وتأمين فرص لهم للمشاركة السياسية والانتخابيّة. سننتظر نتائج الانتخابات التشريعيّة لأنّها ستكون المحطة الأهم في فرز المشهد الحزبي ما بعد 2019.