بعد الاجتماع الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي في 10 مارس 1978 صدر تقرير سياسي وزع توزيعا علنيا واسعا تضمن انتقادات حادة لحزب البعث العربي الاشتراكي كما انطوى على مطالب جديدة تتنافى مع نص ميثاق الجبهة وروحه. ويمكن تلخيص المحاور الاساسية التي دار حولها التقرير فيما يتعلق بالجبهة وبالعلاقة بين الحزبين فيما يلي : 1- ان الحزب الشيوعي يطالب بان يكون عام 1978 عام انهاء فترة الانتقال والإعداد للانتخابات العامة للمجلس الوطني في ظل الحريات السياسية العامة التي تطلق مبادرات الجماهير وطاقاتها. 2- ان الحزب الشيوعي يطالب بان تتدارس الجبهة القرارات المهمة قبل اصدارها. 3- ان الحزب الشيوعي يطالب بإلغاء شرط الالتزام الحزبي في تسلم المسؤوليات. وإذا كانت تلك هي المطالب المحددة فلقد مهد التقرير بسلسلة طويلة من الانتقادات التي اخرجها من جعبته فجأة وطرحها دفعة واحدة في عرض الطريق كي تسده امام اية محاولة للمناقشة الهادئة الجادة البعيدة عن التشنجات والانفعالات العصبية داخل لجان الجبهة او في هيئاتها القيادية العليا لم يكن البعث مترددا في الاعداد للانتخابات العامة للمجلس الوطني .غير أن الظروف الموضوعية التي مر بها العراق في صراعه ضد مراكز الامبريالية ومخافرها في الشمال المتمثلة في بؤرة التمرد البرزاني ثم انتصاره الحاسم عليها ثم اعادة الحياة الى اوضاعها الطبيعية في منطقة الحكم الذاتي، كانت تحول دونه وما يطالب به الحزب الشيوعي من انتخابات حرة شاملة وفضلا عن ذلك فان تعبيراته الخاصة بالحريات السياسية العامة وإطلاق الطاقات والمبادرات توحي بان ثمة ضغطا وكبتا وقمعا كان يجري في البلاد وهو ما يتنافى مع قرار مؤتمره السابق نفسه بل يتعارض مع ما كان يتمتع به من ممارسة لحرياته السياسية العلنية والتعبير عن ارائه الكاملة في صحيفته اليومية المركزية التي تصدر باسمه وهو ما لم يتمتع به حزب شيوعي اخر في المنطقة كلها . و بالإضافة الى ذلك فان الحريات العامة التي تنطلق بغير توجيه نحمل معنى الليبراليه التي لا يمكن تطبيقها اصلا وليست مطبقة بالفعل في بلدان العالم الثالث او اي قطر من الاقطار العربية للظروف الخاصة بطبيعة بناه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المترتبة على الاستعمار الطويل لأرضه وعلى تعرضه الدائم حتى بعد الاستقلال السياسي لعودة اشكال الاستعمار الجديد اليه مرة اخرى. ورغم ذلك كله فهل يمكن للديمقراطية الليبرالية ان تتفق مع ايديولوجية الحزب الشيوعي؟ وهل يمكن لليبرالية ان تقوم اصلا في مجتمع يخضع اقتصاده لتوجيه مركزي شديد من جانب الدولة؟ اما المطالب الاخرى فلعلها ان تكون واضحة التعارض مع ما اعترف به الحزب الشيوعي في قرار مؤتمره السابق من الدور القيادي المتميز لحزب البعث في الثورة والدولة والجبهة جميعا، وهو الاعتراف الذي كان اساسا من اسس تكون الجبهة نفسها وشرطا من شروط ميلادها ان العودة الى مبدأ التكافؤ بين الاطراف هنا لا يعني سوى محاولة هدم الاسس التي قامت عليها الجبهة والتي وافق عليها الحزب الشيوعي من البداية وأعلن استعداده للتعاون والمشاركة في المسيرة بناء عليها وانطلاقا منها. فهل يعني ذلك كله سوى وضع قنبلة موقوتة داخل البناء الجبهوي نفسه لا ينقصها إلا اطلاق مفجرها حتى ينهار البناء كله؟ ولقد انطلق المفجر بالفعل بتأسيس خلايا للحزب الشيوعي داخل القوات المسلحة نفسها وكان ذلك إيذانا بإشعال الحريق. لماذا حدث ذلك كله؟ ولماذا سلك الحزب الشيوعي هذا النمط من السلوك الفكري والتنظيمي الذي كان يعرف مغبته جيدا؟وهل يمكن القول ان المطالب التي اعلن عنها في تقريره تمثل الدوافع الاصيلة الدفينة لهذا السلوك؟ ام ان ثمة ما هو ابعد وأعمق منها في باطن فكره نفسه او ايديولوجيته ذاتها بحيث ان ما جرى لم يكن غير متناقض معه فحسب وإنما معبر عن جوهره الحقيقي؟ لنقل في البداية ان تفاعلا اصيلا ومنزها وعميقا ضمن الشروط النفسية والفكرية والتنظيمية التي تحدث عنها صدام حسين لم يحدث بالفعل. إذ بقي الحزب الشيوعي متصلبا داخل مفاهيمه التقليدية متمترسا خلف مقولاته الجاهزة التي تصدر عنها نظرته وتحليلاته وسياساته العملية حول طبيعة السلطة في المجتمع العراقي، وشروط الانتقال الى الاشتراكية وشروط بنائها. يتبع