رضا الشكندالي: الفصل 55 "حُلم صعب المنال" وشروطه تعقّد انتفاع العائلات رغم تمريره في البرلمان    مجموعة الترجي في دوري الابطال.. الملعب المالي يفوز على سيمبا    البرنامج الوطني للترويج للمواقع الأثرية: يوم سياحي لزوار من عدة جنسيات بقصر الجم    مع الشروق : محكمة التاريخ    نبض الصحافة العربية والدولية: أبواق مأجورة وراء دعوات    بين انتصار بوتين وتغول الصين .. «حرب الجياع» تندلع في أوروبا وأمريكا    النفطي يشارك بالجزائر في الجلسة الوزارية الحوارية الأولى ضمن أشغال المؤتمر الدولي حول "جرائم الاستعمار في إفريقيا"    وزير الشباب والرياضة يزور وفد المنتخب التونسي لكرة القدم في الدوحة    قربة نابل: جلسة خمرية تنتهي بجريمة قتل    قفصة الجنوبية.. وفاة شخصين في اصطدام دراجة نارية بعمود كهربائي    صادقوا على فصول رفضتها الحكومة ..النواب يثورون على قانون المالية    منوبة .. قافلة صحيّة في الصحة الجنسية والانجابية في دار الشباب    في فصل الشتاء: 7 طرق لتخفيف آلام المفاصل... اكتشفها    بنزرت: القبض على 7 أشخاص يشتبه في تورّطهم في سرقة المستودع البلدي بأوتيك    نجت من سفينة 'تيتانيك': ساعة جيب تحقق رقما قياسيا في مزاد    بطولة العالم لكرة اليد سيدات: المنتخب التونسي يتهزم أمام نظيره البولوني 26- 29    الليلة: الحرارة تتراوح بين 4 و9 درجات    الرابطة الثانية - نتائج مقابلات المجموعة الثانية    أفضل 100 مدينة للعيش والزيارة في 2026...مدينة عربية في العشر الأوائل    مجلس نواب الشعب يصادق على إحداث صندوق التشجيع على الاستثمار في القطاع السينمائي والسمعي البصري    بطلب من وزيرة المالية.. بودربالة يقرر تأجيل الجلسة العامة إلى يوم غد    شوف كميات الأمطار في شمال تونس لشهر نوفمبر    حملية تحسيسية وتوعوية حول تقصي السكري وضغط الدم بجربة اجيم بمبادرة من الهلال الاحمر التونسي وودادية اطباء جربة    عاجل: تقلبات جوية بداية من هذا التاريخ وطقس شتوي''الويكاند'' الجاي    كيفاش تحافظ على بطارية ''الكرهبة'' في برد الشتاء؟    سامي الطرابلسي قبل انطلاق كأس العرب: هدفنا التتويج باللقب    عاجل: تركيا حابّة تدخل بقوة في سوق زيت الزيتون التونسي...شنيا الحكاية؟    أيام قرطاج السينمائية 2025: فلسطين في صدارة البرمجة واحتفاء برواد السينما العربية والإفريقية    جريمة تهزّ نابل: شاب يتقتل بسلاح أبيض و الجاني هارب..هذه التفاصيل!    الاتحاد التونسي للقاصرين ذهنيا: تجديد الثقة في القرافي لرئاسة فرع بن عروس    سيدي بوزيد: تجليات تلمذية بمناسبة افتتاح قاعة الفنون النموذجية    التونسيان محمد الزاهي وعادل النفاتي يفوزان بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة 2025    بطولة كأس العرب (قطر 2025): برنامج دور المجموعات    أيام مهمة في ديسمبر: شوف شكون يلزم يخلص الأداءات    عاجل-بُشرى لمتساكني هذه المنطقة: المصادقة على قائمات المنتفعين بالمساكن الاجتماعية...قريبا توزيع المساكن الفردية    تظاهرة حول ترشيد الاستهلاك والحد من الهدر الغذائي بتونس العاصمة    صفاقس: نجاح أول عملية زرع كلية بالمنظار!    تونس: الموجودات الصافية من العملة الأجنبية تغطي 105 أيام من التوريد    عبر فيلم "الست".. منى زكي تخوض تحدي أم كلثوم وسط انتقادات لاذعة    عاجل: الترجي يقدّم شكوى رسمية ضد الحكم ندالا    نقابة الصحفيين تمنح جائزة نجيبة الحمروني لحرية التعبير للمسرحية التونسية "زنوس"    مقتل أربعة أشخاص بإطلاق نار في كاليفورنيا    بن غفير يزور مقر الكتيبة التي قتلت فلسطينيين في جنين ويعد قائدها بترقية    البرلمان يوافق على الترفيع في الأجور وتخفيف العبء الجبائي على المتقاعدين    وزارة الصناعة تدعم جهود الغرفة التونسية الايطالية للتجارة في مساندة المؤسسات التونسية للولوج للسوق الإيطالية/ وائل شوشان    الشركة التونسية للكهرباء والغاز توضح بشأن حادث إنفجار أنبوب غاز بجهة المروج ليلة السبت    فرنسا.. إغلاق 4 قاعات سينما بباريس والسبب صادم!    أولا وأخيرا .. نحن أفسد الفاسدين    "التونيسار" توضّح    ادماج الشعّال في المسالك السياحية    وزارة المالية: تسجيل فائض في الميزانية بنحو 655 مليون دينار إلى موفى سبتمبر    تحويل مؤقت لحركة المرور بهذه المدينة    حالة الطقس ودرجات الحرارة لهذا اليوم    استراحة الويكاند    رسميا: الإعلان عن موعد الدورة 40 لمعرض الكتاب..#خبر_عاجل    خطبة الجمعة .. إنما المؤمنون إخوة ...    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معهم في رحلاتهم
نشر في الشروق يوم 02 - 08 - 2019

نحاول بهذه الحلقات من أدب الرحلات إمتاع القارئ بالتجوال في العالم رفقة رحّالة وكتّاب شغفوا بالترحال وأبدعوا على اختلاف الأنظار والأساليب في وصف البلدان، سواء انطلقوا من هذا القطر أو من ذاك، مع العلم بأنّ أكثرهم من المغرب الكبير ووجهاتهم حجازيّة لأولويّة مقصد الحجّ وغلبة المشاغل العلميّة والثقافيّة على آثارهم باعتبارهم فقهاء وأدباء، على أنّ الرحلة تكون ممتعة أكثر مع آخرين جالوا في قارات أخرى.
مع الحجري في رحلته الأوروبيّة (2)
الحجري ( أحمد بن قاسم الحجري = الشهاب الحجري الغرناطي) : ت بعد 1641 م.
فلمّا أن بلغنا في دكالة إلى سوق كبير أمر القائد لخديمه أن يركب معي إلى السوق ، فلّما أن دخلنا فيه جاء المسلمون يسألون الخديم عنّي، قال لهم : هو مسلم. فجاؤوني من كلّ جانب وهم يقولون لي :» شهّد، شهّد «، وأنا ساكت ، حتّى ألحّوا عليّ وكثّروا في ذلك ، قلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، فقالوا : والله إنّه قالها خيرا منّا . ثمّ مشوا وأتوني بتمر وغير ذلك ممّا كانوا يبيعونه وفضّة دراهم. قلت لهم : لا أطلب منكم شيئا من ذلك .
فلمّا ولّينا عند القائد قال لي: ما ظهر لك ؟ قلت: الحمد لله إذ لم نر عدوّا في هذه الناس لأنّ في بلاد النصارى لم نر فيها في الأسواق إلاّ أعداء لنا يمنعوننا من الشهادتين جهرا والمسلمون يحرّضونني عليها. وفرحوا جميعا حين سمعوا منّي ذلك . وقد شبّهت ما أصابنا من خوف النصارى وما رأينا من التعب في الطّريق بأهوال يوم القيامة، ووصولنا إلى المسلمين بالدخول في الجنّة. « ( ص 42 – 43 ) .
وأضاف في الباب الثالث: « ولمّا أن بلغنا إلى محلّة السّلطان مولانا أحمد ابن مولاي محمد الشيخ الشريف الحسني، وكان بقرب المدينة بنحو الستّة أميال بسبب الوباء العظيم الذي نزل بتلك البلاد ، وكان عيد الأضحى في اليوم الآتي من بلوغنا ، وخرج السلطان في جنود لم نظنّ ذلك، وعجبني حال الرّماة فحزامهم هو أفضل وأحسن وأزين من حزام النصارى بكثير، وأمّا العرب الذين جاؤوا وحضروا مع قوّادهم فكانوا تسعا وعشرين ألف فارس وكذا مائة ما عدا السبيحيّة ( أي الصبايحيّة ) وفرسان المدينة والفرادة والجند كثير .
وبعد ذلك دخلنا مرّاكش وهي مدينة كبيرة، وفواكهها كثيرة، وعنبها ليس في الدنيا مثله ، عرضها إحدى وثلاثون درجة ونصف وطولها تسع دراج لأنّها قريبة من الجزر الخالدات المسمّاة الآن بقنارية (Les iles Canaries) ومنها ابتداء الطول. وبعد أن دخل السلطان من المحلة وكان ذلك عام سبعة وألف. وأنعم علينا وأذن لنا في الدّخول إلى حضرته في يوم الديوان. ولمّا ابتدأت بالكلام الذي اخترت أن أقوله بحضرته العليّة بصوت جهير ، سكت جميع النّاس الحاضرين كأنّها خطبة ففرح السلطان وقال : كيف يكون ببلاد الأندلس من يقول بالعربيّة مثل هذا الكلام ! لأنّه كلام الفقهاء ، وفرح بذلك كافة الأندلس القدماء .
ورأينا العافية والرخاء في تلك البلاد إلى أن مات مولاي أحمد رحمه الله في مولد النّبي صلّى الله عليه وسلّم من سنة اثنتي عشرة وألف، وقامت القوّام والهرج في المغرب كلّه ، ثمّ ثبت في المملكة مولانا زيدان ابن السلطان مولاي أحمد رحمهما الله تعالى . وفي أيّامه أمر السلطان النصراني ببلاد إشبانية ، أعني بلاد الأندلس، المسمّى بفلبّ الثالث من اسمه بإخراج جميع المسلمين من بلاده، وابتداء ذلك كان لسنة ثمان عشرة وألف ، وآخر من خرج منهم كان عام عشرين وألف.
وكان الأندلس يقطعون البحر في سفن النّصارى بالكراء ، ودخل كثير منهم في سفن الفرنج ونهبوهم في البحر، وجاء إلى مراكش أندلس منهوبون من الفرنج من أربع سفن. وبعث رجل أندلسي من بلاد فرنجة يطلب منهم وكالة ليطلب بالشرع عنهم ببلاد الفرنج ، واتّفق نظرهم أنّهم يبعثون خمسة رجال من المنهوبين ويمشي بهم واحد من الأندلس الذين سبقوهم بالخروج ، واتّفقوا أنّني نمشي بهم، وأعطاني السلطان كتابه وركبنا البحر المحيط بمدينة أسفي». ( ص 44 – 45) .
ومن مرّاكش سافر في المهمّة المذكورة إلى بلاد الفرنجة عبر المحيط الأطلسي من جهة القطب الشمالي متجنّبا إسبانيا من جانبه الأيمن . ثمّ قصد مدينة روان (Rouen) حيث كانت له محاورة مع قاضي القضاة – بتعبيره – وكان مسيحيّا مخالفا لأبناء دينه في بعض المسائل ، ومن أصحاب البابا وأنصاره . وقد أعجب هذا القاضي النصراني ، بعد السؤال والجواب ، بتوافق مبدإ في مذهبه مع ما جاء في الإسلام من أنّ المرء إذا مات – حسب الحديث النبويّ – انقطع عمله إلاّ من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به الناس أو ولد صالح يدعو له ( ص 46 – 48 ) .
وسجّل الحجري من تلك المحاورة أيضا ما يلي ، علما بأنّ النصارى يعمّمون اسم الأتراك على المسلمين كافة : « ثم قال لي القاضي : أنتم التركيّون تصنعون فعلا قبيحا بقتلكم جميع أولاد السلاطين إلاّ واحدا أو اثنين . قلت : ذلك لصلاح المسلمين، لأنّ كلّ من هو ابن سلطان يحبّ مملكة أبيه ، فإذا أصاب الهروب والمملكة عظيمة ومتّسعة ، فيقوم معه كثير وتكون بسبب ذلك تفريق الكلمة وتكون الفتنة. وقد يشاهد في النحل أمر عجيب وهو أنّه إذا أفرخ وكثر فتخرج النحل من الجبح ، وتدخل في جبح آخر فارغا. وعندهم فيما بين النحل سلالة سلاطين منها ، وهم نحل أطول جرما من سائر النحل، وتترك النحل واحدا من جنس السلاطين ليكون سلطانها ، وتقتل جميع من هو من ذلك الجنس ، وهذا مشاهد يعلم ذلك كلّ من يخالط النحل ، وهذا إلهام ربّاني. ففرح القاضي وأظهر صحبة ومودّة ، ونفعني نفعا جيّدا في الأحكام.» ( ص 49) .
في الباب الخامس سجّل قدومه إلى بريش ، هكذا ينطق اسم باريس (Paris) وهكذا وصفها : «هي دار سلطنة الفرنج ، وبينها وبين مدينة روان نحو الثلاثة أيّام ، وطولها خمسة آلاف وخمسمائة خطوة، وعرضها أربعة آلاف وخمسمائة خطوة ، وبيوتها عالية أكثرها من أربع طبقات وأكثر وأقلّ ، وكلّها عامرة بالناس ، وديار الأكابر مبنيّة بالحجر المنجور إلاّ أنّه بطول الزمن يسودّ لون الحجر. تقول النصارى إنّ أعظم مدن الدنيا القسطنطينيّة ، ثمّ هذه مدينة بريش ، ثمّ مدينة إشبونة ببلاد الأندلس. وكان من حقّهم أن يذكروا مصر إلاّ أنّهم يقولون لها القاهرة الكبيرة. وإذا جمعنا مع مصر مصر العتيق وبولاق وقاية باي لم ندر من هي أعظم : بريش أو مصر بما ذكرنا». ( ص 50 )
وفي باريس رفع الحجري الأمر الذي جاء بسببه إلى تلك البلاد إلى الديوان السلطاني – حسب تعبيره – وكانت له فيها أيضا مناظرات مع العارفين بالعربيّة من النصارى ( ص 50) . أحدهم اسمه أبرت (Etienne Hubert) وهو مولود بأورليناس (Orléans) سنة 1568 م ، أرسل في مهمّة إلى المغرب سنة 1598 م ، وخدم باختصاصه في الفيزياء السلطان أحمد المنصور الذهبي مدّة سنة رجع بعدها للتدريس بمعهد فرنسا (Collège de France) . هكذا عرّف به محقّقو الكتاب ومترجموه في القسم الأنقليزي ( ص 109 ، ه 8) . وقد أطلع الحجري على اختراع مضخّة الماء ( ص 55 ) .
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.