vنحاول بهذه الحلقات من أدب الرحلات إمتاع القارئ بالتجوال في العالم رفقة رحّالة وكتّاب شغفوا بالترحال وأبدعوا على اختلاف الأنظار والأساليب في وصف البلدان، سواء انطلقوا من هذا القطر أو من ذاك، مع العلم بأنّ أكثرهم من المغرب الكبير ووجهاتهم حجازيّة لأولويّة مقصد الحجّ وغلبة المشاغل العلميّة والثقافيّة على آثارهم باعتبارهم فقهاء وأدباء، على أنّ الرحلة تكون ممتعة أكثر مع آخرين جالوا في قارات أخرى. مع أحمد السماوي في رحلته الإسبانيّة الأندلسيّة السماوي ( أحمد عبد الرحمان): كاتب يمني معاصر . له : رحلة إلى الفردوس المفقود الأندلس . – دار الفكر المعاصر بيروت ودار الفكر بدمشق، ط 1 / 1983، ط 2 / 1988 بتقديم عبد العزيز المقالح وعبد العزيز الدولاتلي . وفيها أظهر خبرة بالتاريخ والآثار الإسلاميّة . الرحلة : في سبتمبر 1982 وفي الطريق إلى أنقلترا للعلاج قضى الكاتب اليمني المعاصر والباحث في التاريخ والآثار والفنون الإسلاميّة أحمد عبد الرحمان السماوي فترة استراحة واستجمام، عملا بنصيحة طبيبه، في إسبانيا . تجوّل فيها عبر المدن والمتاحف، ودوّن ذكرياته وملاحظاته الجامعة بين الماضي والحاضر في كتاب بعنوان معبّر عن أسف العرب عامّة وحزن اليمانية خاصّة على تراث أجدادهم الذي صار بأيدي النصارى. في الفقرة الأولى من « رحلة إلى الفردوس المفقود الأندلس « ( دار الفكر المعاصر ببيروت ودار الفكر بدمشق، ط 2 / 1988 ) عبّر المؤلّف عن ذلك الشعور من خلال مكان معروف في غرناطة، معناه « زفرة العربي الأخيرة « ( El ultimo suspiro del moro) ، هي زفرة أبي عبد الله الصغير وهو يودّعها بعد تسليم مفتاحيها للملكين فرديناند وإيزابيلاّ صبيحة 2 جانفي 1492 م قائلا : « إنّهما مفتاحا هذه الجنّة، وهما الأثر الأخير لدولة المسلمين في إسبانيا . وقد أصبحت أيّها الملك سيّد تراثنا وديارنا وأشخاصنا. وهكذا قضى الله . فكن في ظفرك رحيما وعادلا « ( ص 114، ه 1 ) . من مطار برشلونة توجّه إلى مدريد لزيارة ثلاثة متاحف قبل الانتقال إلى الحواضر الأندلسيّة. في المتحف الحربي وثيقة تنازل أبي عبد الله، آخر ملوك غرناطة، وسيف علي العطّار آخر قادته ( ص 30 – 31). ثمّ توجّه إلى طليطلة لزيارة متحف الأسكوريال حيث الكثير من اللوحات، إحداها بطول 55 مترا وارتفاع 5 أمتار خلّدت انتصار الإسبان على العرب . لكنّ أهمّ جناح هو الحافظ للمخطوطات العربيّة، منها ألفان من جملة أربعة آلاف كتاب نهبها الربّان بادرو دي لارا (Pedro De Larra) باستيلائه على سفينتين لسلطان مرّاكش مولاي زيدان ( ص 50، ه1، ص 51) . هناك تصفّح الرحّالة نسخا، من بينها كتاب « لباب المحصّل» بخطّ ابن خلدون، والتقط صورة منه ( ص 54). ثمّ قصد جامع قرطبة ليصفه بدقّة الخبير الأثري ويستعرض التاريخ معيدا اعتراض قاضي قرطبة على الأمير عبد الله الحكم عندما أراد تصحيح قبلته بقوله: « يا أمير المؤمنين، إنّه قد صلّى إلى هذه القبلة خيار هذه الأمّة من أجدادك الأيمّة وصلحاء المسلمين وعلمائهم منذ أن فتحت الأندلس إلى هذا الوقت متأسّين بأوّل من نصبها ...» ( ص 70). وفي جولة بالحيّ العربيّ حول المسجد مرّ بمدرسة ليليّة للموسيقى ذكّرته ألحانها الأندلسيّة بزرياب وبموشّحات ابن زهر وابن الخطيب (ص 72 – 73). واستوقفه تمثال كفّين مشتبكين يرمزان لولاّدة وابن زيدون ليقرأ ما نقش على قاعدته من شعرهما المتبادل ( ص 73 – 75). وكذلك كانت له وقفات أمام تمثال ابن حزم وتمثال ابن رشد ( ص 77 – 78). وفي السوق صادفه إسبانيّ مسلم كان قد درس في تونس وتزوّج بمغربيّة وحفظ القرآن وألفيّة ابن مالك والآجروميّة، ويمسك عددا من مجلّة « العربي» به تحقيق عن الأندلس وصورة لابنته على الغلاف (ص 81) . كان اسمه حميد سيلان، وكان سعيه – من خلال اتّصال هاتفي بالأمانة العامّة للمؤتمر الإسلامي بالرياض – إلى تكوين جمعيّة إسلاميّة يكون مقرّها المسجد الذي بناه عبد الرحمان الثالث للقاضي أبي عثمان بعد أن تسلّم مفتاحه من عمدة قرطبة للبدء بترميمه ( ص 81 – 82) . يتبع