من المفترض أن تحسم النهضة اليوم أمر مرشحها للرئاسية، وإن لم تحسم فستحدد على الأقل وجهتها بدقة لكن الإشكال لن ينتهي، فمشكلة الحركة حاليا ليست في ندرة العصافير بل في الإمساك بالعصفور الذي يضمن مصالحها العاجلة والآجلة. تونس (الشروق) «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة»، المثل ينطبق على حركة النهضة المطالبة باختيار مرشحها للرئاسية في أقرب وإنهاء حالة التردد الغموض التي آلت أكثر من اللازم. المشكلة لا تتعلق بندرة العصافير فالشجرة المطلة على مقر الحركة تعج بالعصافير لكن الإشكال في التباين الحاد بين آراء القياديين النهضويين. فهناك شق بقيادة رئيس الحركة راشد الغنوشي يدافع عن مرشح من خارجها، وهناك شق مقابل يستميت في الدفاع عن مرشح من الداخل. لكل شق مبرراته ومستنداته ودفوعاته التي تلتقي في مصب واحد وهو مصلحة الحركة. قد يتم اليوم إنهاء الجدل بين الرفين بالحسم في الأمر والإعلان عن مرشح للحركة، أو على الأقل حسم التوجه العام بالتوافق على مرشح من داخلها أو خارجها وتأجيل الإعلان عن هويته (إن لم يكن نهضويا) حتى يعلن عن ترشيح نفسه رسميا ولكن ما هي العصافير المتوفرة حاليا فوق شجرة النهضة؟. دفاعا عن مورو يدافع شق مهم من النهضوين عن فكرة اختيار مرشح للرئاسية من داخل الحركة، وإذا نجح في فرض فكرته فستكون الأولوية المطلقة لرئيس مجلس نواب الشعب بالنيابة عبد الفتاح مورو (رغم تردد أسماء أخرى مثل علي العريض). مورو عصفور جيد خبير بترانيم الحركة ومقاماتها ويملك القدرة على التغريد بما تشتهي. في ترشيحه رد لاعتبار الحركة وقادتها التاريخيين من وجهة نظر الشق المدافع. وقد تكون الغنيمة رائعة لو كتب له أن يفوز بالرئاسية قبل أن يفوز الغنوشي برئاسة مجلس نواب الشعب لكن هذا السيناريو يصطدم بمانعين شديدين، فمورو ليس محل إجماع في القيادة ولا في القاعدة بل إن كثيرا من النهضويين يتذكرون تبرؤه من الحركة أثناء تبرئه من العنف في تسعينات القرن الماضي. والأهم أن شق الغنوشي يتحاشى كل ما يجعل الحركة في الواجهة وعليه فإنه يخير مرشحا آخر من خارج الحركة فمن يملك المواصفات اللازمة؟. بين الجبالي والمرزوقي هناك نوعان من المرشحين الخارجيين أولهما العصافير المقربة من النهضة وثانيهما العصافير غير المقربة. أما النوع الأول فيضم من كان نهضويا مثل الأمين العام المستقيل حمادي الجبالي، ومن كان شريكا مثل زعيم الحراك منصف المرزوقي، ومن هو محسوب عليها مثل سيف الدين مخلوف، ومن قرب نفسه إلى قواعدها مثل أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، من حاز إعجاب الفئة الثورية من النهضويين مثل محمد عبو… لم يقدم أغلب هؤلاء المعنيين ترشحاتهم ولكن لكل واحد منهم فئة نهضوية تدافع عنه بشراسة ومع هذا فمن المستبعد أن ترشحهم النهضة لأنها تحتاج إلى مرشح حزب مدني قوي يمكنه أن يحقق نتائج جيدة في التشريعية تسمح لهما بالتشارك في تشكيل الحكومة القادمة. قد يصوت النهضويون لهذه العينة من باب الاجتهاد الشخصي لكن من شبه المستحيل أن ترشح الحركة أحدا من تلك العينة بل لأن المنطق يفرض عليها أن تختار مرشحا من النوع الثاني: الأولوية للشاهد «النهضة بصدد إجراء مشاورات مع المنظمات الوطنية ومع شركائها في الحكومة حزب تحيا تونس وأولهم رئيسها يوسف الشاهد، بالاضافة الى عدد من الشخصيات الوطنية فيما يتعلق باختيار مرشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها»... ما قاله رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني أول أمس يعني إعطاء الأولوية لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، فهو الشريك في الحكم وهو الذي ينبذ الإقصاء وهو الذي يترأس حزبا «ندائيا» يمكن أن يحل محل نداء تونس في إقامة توافق مستقبلي. هناك ما يدفع النهضة إلى ترشيح الشاهد لكن هناك بالمقابل عدد من العراقيل فالشاهد لم يعلن بعد عن نيته في الترشح وعليه فلا يمكن التسرع بالمراهنة، كما إن شقا واسعا من أتباع الحركة يرفضه ولا يجوز التمادي في تجاوزهم والعبث بخياراتهم والأخطر أن الشاهد ينتمي إلى حزب كثيرا ما جاهر قادته برغبتهم في تحقيق فوز كاسح يغنيهم عن التشارك مع النهضة ما يعني في النهاية أن الشاهد يقبع فوق الشجرة القريبة من الحركة لكنه ليس في يدها. تخوفات من الزبيدي هناك عصفور آخر يعمل البعض على دفعه دفعا نحو الرئاسية وهو وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ويمكن للنهضة أن تتحسب إلى إمكانية تغريده خارج سربها بما قد يتسبب في عزلتها لكن ترشيحه محفوف بالمخاطر فهو قريب من السبسي من حيث الولاء للدولة والحداثة والمدنية واحترام الدستور لكنه يختلف عنه في مواصفات مهمة مثل الدبلوماسية والبراغماتية والمهادنة التي لولاها لما تم التوافق سابقا بين النهضة والنداء. على النهضة إذن أن تحدق مليا في بقية العصافير حيث يوجد مؤسس البديل مهدي جمعة وزعيم قلب تونس الصاعدة أسهمه نبيل القروي. أما الأول فلا يملك حظوظا وافرة جدا للفوز بالرئاسية ولا بالتشريعية وعليه فقد لن يفيد النهضة في شيء، وأما الثاني فيجد رفضا باتا لدى شريحة واسعة من القاعدة النهضوية مما يؤثر على إمكانية التقارب اللحق بين الحزبين. لم يتبق على الشجرة غير عدد من العصافير النكرة التي لا يمكن للنهضة أن تراهن عليها، وعدد من العصافير التي تغرد ليلا نهارا بمعاداة الحركة: من عبير موسي إلى حمة الهمامي إلى منجي الرحوي… يمكن أن نتوقع كل شيء عدا تقارب أحدها مع الحركة وتنسيقه معها تشريعيا أو رئاسيا. قالوا عن الترشيح «الحركة لم تحسم بعد في مسألة مرشحها للانتخابات الرئاسية، أو دعم شخصية من خارجها... عدّة شخصيات في الحركة قادرة على أن تكون مرشحة للاستحقاق الانتخابي الرئاسي، على غرار راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وعلي العريض وعبد اللطيف المكي…». (رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني، من تصريح إعلامي السبت الماضي). «أنا ضدّ تقديم مرشح من الحركة للانتخابات الرئاسية لتفادي الاستقطاب الثنائي الحاد…». (القيادي في حركة النهضة محمد بن سالم من تصريح لموزاييك السبت الماضي). «الحركة لن تدعم إلا المرشح الذي تتوفر لديه حظوظ النجاح وسيتم هذا الاختيار وفق شروط معينة تراها الحركة واجبة». (القيادي في حركة النهضة علي العريض من تصريح إعلامي السبت الماضي).