لم يستبعد الغنوشي مؤخرا إمكانية ترشحه للرئاسية القادمة متى توفرت بعض الشروط. هو لم يعلن رسميا ترشحه، ولم يبد رغبته في الترشح ولكن لماذا يطرح فرضية ترشيحه قبيل انطلاق مرحلة قبول الترشحات، هل هو جس نبض أم مساومة سياسية؟. تونس «الشروق»: «لم أعلن عن نيتي في الترشح للانتخابات الرئاسية بل أعلنت عن عدم رغبتي حتى الآن في الترشح»، ما قاله رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لا يبدو مفاجئا لولا تعمده ذكر عبارة «حتى الآن» ما يعني أنه لا يرغب في الترشح حتى الآن ولكن الرغبة قد تتوفر «بعد الآن». الوجه الثاني للمفاجأة أن الغنوشي طرح رسميا فرضية ترشحه أو ترشيحه أي أن يترشح تلقائيا عن حركة النهضة بمجرد إعلانه عن رغبته لاسيما وأن النظام الداخلي في حركته يخول له ترشيح نفسه، أو أن يستجيب «مكرها» لقرار حركته في ترشيحه. فخلال الحوار التلفزي الذي بثته قناة حنبعل الأحد الماضي أعاد ما قاله قبل أيام بمناسبة اختتام الندوة السنوية الثالثة لقيادات حركة النهضة فقد شدد على أن الرغبة (في الترشح) حتى الآن غير موجودة (لديه) مستدركا أن الترشح لا يتعلق برغبة شخصية وإنما ب«حسابات دقيقة ومصالح وطنية مقدرة» قد تجعله في النهاية «العصفور النادر» الذي يبحث عنه ولكن هل يمكنه أن يكون رئيسا للجمهورية؟. حظوظ وافرة لا نعثر على أي عائق يمنع فالغنوشي من الترشح فهو كأي تونس يملك حقا دستوريا في التنافس على رئاسة الجمهورية وهو رئيس النهضة وصاحب الأولوية المطلقة في الترشح وفق قانون حركته الداخلي مهما كان عدد الطامحين ودرجة تأثيرهم. وهو لم يلتزم قط أمام حركته ولا أمام الرأي العام بعدم الترشح بل عبر فقط عن عدم رغبته في الترشح ومن حقه أن يغير هذه الرغبة أو يعدّلها متى شاء دون مساءلته أخلاقيا. مع هذا كله لا نجد مانعا قويا يتعلق بخطر الفشل فأي مرشح للنهضة سواء أكان من داخلها أو خارجها يضمن حظا وافرا للفوز مراعاة لمخزون الحركة الانتخابي ولكن لماذا يتردد الغنوشي في الترشح ما دام يملك حظوظا وافرة للفوز؟. وفرة الحظ لا تعني ضمان النجاح وعليه فإن الحركة الأكثر تنظيما وشعبية واستقرارا على المستوى الداخلي مطالبة اليوم بتحقيق النتيجة أكثر من بذل العناية حتى تردد بالحجج الدامغة على كل من يشكك فيها داخليا وخارجيا. مضارها أكبر من نفعها من هذا المعطي يجوز تنزيل كلام الغنوشي في إطار جس النبض حتى يتضح له ولحركته مدى تجاوب الناخبين من إمكانية ترشحه، فهي خطوة أولى في شكل بالون اختبار يمكن أن تتلوها خطوات أخرى أكثر تركيزا قبل اتخاذ القرار الحاسم بالترشح أو عدم الترشح. لكن علينا أن ننظر إلى هذا الموضوع من زوايا أخرى لعل أهمها أسباب غياب الرغبة في الترشح لدى الغنوشي على الأقل حتى الآن. لا يمكننا في هذا الإطار الحديث عن زاهد في الدنيا والسياسة والبرستيج الرئاسي بل عن خبير في قراءة المنافع والخسائر فالغنوشي يعلم أن رئاسة الجمهورية لن تضيف الكثير لرصيده السياسي بل قد تضر بشخصه وتاريخه قياسا إلى ما حدث للرئيس السابق منصف المرزوقي وحتى خلفه الباجي قايد السبسي فالأول جمع من الإساءة إلى نفسه فأوعى والثاني ضحى بجانب كبير من شعبيته والتوافق الشعبي من حوله يوم عبر عن رغبته في الترشح لرئاسية 2014. للضرورة أحكامها؟ قد تكون مضرة النهضة من رئاسة الغنوشي أكبر على مضرته الشخصية فتربعه على كرسي رئاسة الجمهورية يضع حركته في الواجهة والحال أن الظروف الإقليمية الحالية تحتم بقاءها في الظل، كما إن رئيس الجمهورية مطالب بالتفاعل مع عدد من القضايا والملفات الخلافية وإذا أرضى أبناء حركته فإنه يغضب بالضرورة خصومها وأعداءها. من هذه الزاوية يمكن للغنوشي أن يقنع الرأي العام بعدم رغبته في الترشح للرئاسية اتقاء لشرها ويمكن وضع تراجعه أو تنازله في باب الضرورة أو التضحية من رئيس حركة مطالبة بلعب دورها في المسار الديمقراطي مهما كان الثمن في ظل عدم العثور على «العصفور النادر» لكن هذه القراءة غير مقنعة لأن النهضة ليست مجبرة على ترشيح الغنوشي دون غيره من أبنائها فهناك الكثير من النهضويين المتحمسين للترشح على رأسهم نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو. مساومة وتحذير؟ هناك فرضية ثالثة معقولة جدا وهي المساومة، فالمعلوم أن همة النهضة لا تتعلق أساسا بالرئاسية بل بالتشريعية وهي مهمومة جدا بالبحث عن التوافق مع أطراف مدنية وحداثية وتقدمية حتى تستظل بظلها على أن تتنازل لها عن رئاسة الجمهورية وتساعد مرشحها على الفوز بالرئاسية والتربع على كرسي الرئاسة. «إلى حد الآن لم تحصل النهضة على ضمانات بشأن مستقبلها (ما بعد الانتخابات القادمة) ولم تعثر بالتالي على العصفور النادر حتى ترشحه للرئاسية وعليه يكون الغنوشي كمن يستحث الفاعلين السياسيين على القبول بأحد الحلين فإما أن يقبلوا بالشراكة مقابل تمكين مرشحهم للرئاسية من أصوات النهضة وإما أن يترشح بنفسه ويقلل من فرص فوزهم بالرئاسية. لن تجد النهضة عصفورا أفضل من يوسف الشاهد أو أحد مرشحي حزبه مثل كمال مرجان لكن لا الشاهد أعلن عن نيته في الترشح للرئاسية ولا حزبه «تحيا تونس» غيّر من تكتيكه وطموحه في الحصول على الأغلبية البرلمانية المطلقة التي تخول له الحكم دون حركة النهضة لهذا يكون حديث الغنوشي عن ترشحه رسالة مساومة أخيرة موشحة ببعض التحذير. شروط ترشح الغنوشي المعلنة وضع راشد الغنوشي جملة من الشروط حتى يتجاوز عدم الرغبة ويقدم ترشحه رسميا وهي: ألا يتم العثور على «العصفور النادر» خارج حركة النهضة. أن يستوفي مع حركته دراسة الأمر من جوانبه كلها واستشراف جميع المخاطر والمنافع الممكنة. أن يكون مرشحا توافقيا مع بعض الأطراف التي لا تؤمن بإقصاء النهضة. ألا يتم تأجيل الانتخابات لسبب من الأسباب.