يبدي عبد الوهاب في نصوصه آراءه في الملحنين، ولا تخلو ملاحظاته من انتقادات مبطنة، كأنه يحافظ على حرصه حتى في الأوراق التي لن تنشر في حياته، فهو يقول عن القصبجي: «كان ثائرًا أكثر منه جميلًا»، ويلوم أم كلثوم على عدم بيان ثورته كاملة: «أم كلثوم لا تحب الإغراب ولا الشذوذ ولا غير المألوف». ويضيف عبد الوهاب ما يدل على أن أم كلثوم لم تكن خبيرة في الموسيقى، حين يحكي أن القصبجي جاءه مرة وقال له: «أم كلثوم بتقول على اللازمة اللي انت ملحنها في قصيدة (عندما يأتي المساء) والتي تجيء بعد كلمة (وجهت عيني نحو لماح المحيا) إنها نشاز.. «بالتالي كان رأي عبد الوهاب أن القصبجي يريد القيام بثورة غنائية، مثل التي فعلها هو نفسه، ولكن لم تتح له الفرصة. ونعرف أنه بعد سنوات أجبر عبد الوهاب أم كلثوم على استخدام آلات موسيقية غربية وإيقاعات متنوعة عندما لحّن لها في الستينيات والسبعينيات وملحن آخر عظيم هو رياض السنباطي، حتى أن فاروق جويدة في مقدمته وصفهما بالنقيضين، إلا أن رأي عبد في السنباطي يحمل تقديرًا كبيرًا: «السنباطي صادق فيما يقدمه.. لا يقدم شيئًا إلا إذا كان مؤمنًا به.. ولا يوجد داخل السنباطي غير السنباطي لأن منبعه منه». ولكن رأيه في السنباطي لم يخل من نقد: «أشعر أن ألحانه تحترم التقاليد والآداب.. ولم أشعر أن ألحان السنباطي كسرت التقاليد.. أو تعدت على القواعد.. أو ثارت أو تمردت.. أو خالفت المنطق» وفي آرائه السريعة عن الملحنين الآخرين نجد النقد والطرافة، فكمال الطويل «يحاول أن يفعل شيئًا ولكنه لم يصل إليه بعد»، والموجي فأعماله «إما أعمال جديرة بالتقدير الكبير وإما لا شيء»، أما حلمي بكر: «يلحن للموسيقيين فيهتم بأن يلفت نظر الملحنين أكثر من أي شيء آخر». غنى عبد الوهاب في مديح عبد الناصر، كما غنى في مديح كل الأنظمة التي عاصرها، ولكنه لم يحب عبد الناصر، يقول عنه: «كان جمال عبد الناصر يخطب في الجمهور وهو غير مؤمن بما يقول، ويعلم بأنه يخدع الجماهير، ومع ذلك تصدقه الجماهير... وكان أنور السادات يخطب في الجماهير وهو مؤمن بما يقول ولا يكذب ولا يخدع ومع ذلك كانت الجماهير لا تصدقه... جمال عبد الناصر كان سيئًا ولكن من كانوا حوله كانوا يؤمنون به.. وكان أنور السادات خيرًا ولكن من كانوا حوله لم يؤمنوا به». (يتبع)